ضاعف الله عز وجل أجر العاملين في شهر رمضان، فجعل من هذا الشهر الكريم حافزا للعمل ودربا من دروب الهمة، والكفاح، ففهم الصحابة رضوان الله عليهم مقصود ربهم، وجعلوا من شهر رمضان شهر العمل والنصر والفتوحات العظيمة في تاريخ الإسلام، وليس شهر الانهزامية، فالصائمون كانوا مثالًا في العمل والإقدام والشجاعة والتضحية، كما أن الهمة توقد القلب، واستسهال الصعب.
فصاحب الهمة كما يقول بعض العلماء لا يهمه الحرّ، ولا يخيفه القرّ، ولا يزعجه الضرّ، ولا يقلقه المرّ، لأنه تدرع بالصبر، بل صاحب الهمة، يسبق الأمة، إلى القمة، {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}، لأنهم على الصالحات مدربون، وللبر مجربون.
وقال الله تعالى{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فالحياة عقيدة وجهاد، وصبر ونضال وكفاح.
وقد شهد شهر رمضان على مدى التاريخ الإسلامي الفتوحات العظيمة التي كانت عاملاً كبيراً في نشر الإسلام بسماحته وعدله في ربوع العالم، كما شهد الكثير من الأحداث التي سجلها التاريخ علامات فارقة في مسيرة الحضارة الإسلامية، ومنها ما يلي:
في السابع عشر من رمضان كانت غزوة بدر الكبرى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123]. وقد خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، يريدون أبا سفيان والغَنِيمة، فأرادها اللهُ ملحمةً، فجمعهم الله بعدوِّهم على غير ميعاد، وخرجت قريش بقَضِّها وقضيضها تسعمائة وخمسين مقاتلًا، بعُدِّتهم وعَتَادهم بَطَرًا ورئاءَ الناس، يقول فاجرهم: لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. واستفتح أبو جهل في ذلك اليوم، فقال: اللهمَّ أقطعُنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأَحْنِه الغداةَ، اللهمَّ أيُّنا كان أحبَّ إليك وأرضى عندك فانصره اليوم. فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 19].
واستقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم القبلةَ، ثمَّ مدَّ يديه، فجعل يهتفُ بربه: اللهمَّ أنجزْ لي ما وعدتني، اللهمَّ آتِ ما وعدتني، اللهمَّ إن تَهْلِكْ هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تُعبدُ في الأرض.
وفي السنة الخامسة من الهجرة كان استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لغزوة الخندق؛ وكانت في شوال على أصح القولين، وكان من الاستعداد لها ما أشار به سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه من حفر الخندق حول المدينة، وقد بلغ طول الخندق حوالي خمسة آلاف ذراع، أما عمق الخندق فلم يكن أقل من سبعة أذرع، والعرض كذلك، وتم حفره في ستة أيام، واستمر الحصار بعد ذلك حول الخندق شهرًا، فرضي الله عن ذاك الجيل القرآني الفريد.
وفي السنة الثامنة من الهجرة في العشرين من رمضان كان الفتح الأعظم، ودخل فيه رسول الله مكةَ ومعه عشرةُ آلاف من كتائب الإسلام وجنود الرحمن، وتهيَّأت مكة الحبيبة، وكادت جبالها تزحف فرحًا لاستقبال الأمين البار الصابر المحتسب صلى الله عليه وسلم؛ ليعيد إلى ربوعها أشعة أنوار دين إبراهيم عليه السلام. ولا شيء عنده إلا العفو الشامل، صفت نفسه وطهرت، ودخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو يقرأ سورة الفتح، وذقنه على راحلته متخشِّعًا.
وفي «الصحيحين» أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل مكةَ يوم الفتح، وحول البيت ستونَ وثلاثمائة صنمًا؛ فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81]. وفي «صحيح مسلم» أنه أتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، وهو آخذ بسِيَة القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81] .
وفي رمضانَ سنة ثلاث وخمسين للهجرة افتتح المسلمون وعليهم جُنادةُ بنُ أبي أُمَيَّة جزيرةَ رُودِسَ.
وفي رمضانَ سنة إحدى وتسعين للهجرة بعث موسى بنُ نُصَير رجلًا من البربر يسمَّى: طريفًا. ويكنى بأبي زرعة، في مائة فارس وأربعمائة راجل، فجاز في أربعة مراكب، حتى نزل ساحل البحر بالأندلس، فيما يحاذي طَنْجَة، وهو المعروف اليوم بـ: جزيرة طريف. سميت باسمه لنزوله هناك، فأغار منها على ما يليها إلى جهة الجزيرة الخضراء، وأصاب سبيًا ومالًا كثيرًا، ورجع سالمًا.
كما نشب القتال بين المسلمين والصليبيين في أواخر شعبان سنة (114هـ)، واستمر تسعة أيام، حتى أوائل شهر رمضان، وكان المسلمون بقيادة عبد الرحمن الغافقي، وكان الصليبيون بقيادة شارل مارتل، وقد أبلى المسلمونَ فيها بلاءً حسنًا، ومات منهم كثيرون، وقد اخترقت صفوفَهم فرقةٌ من فرسان العدو، أحدثت خللًا في صفوف المسلمين، وأصيب القائد الغافقي، وأدَّى ذلك إلى موته، فتسبب ذلك في هزيمة المسلمين.
وقد وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين (بواتييه) والتي تبعد عن باريس (70) كيلو مترًا- و(شاتلرو) في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترًا من شمالي شرق بواتييه يسمَّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلس: القصر، أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سُمِّيت المعركة في المصادر العربية: بـ «بلاط الشهداء» لكثرة مَن استشهد فيها من المسلمين، وتسمَّى في المصادر الأوربية: معركة «تور- بواتييه».
وفي سنة (223هـ) أوقع الملك تَوْفِيل بن مِيْخَائيلَ بأهل سلطنته من المسلمين وما والاها ملحمةً عظيمةً، قَتل فيها منهم خلقًا كثيرًا من المسلمين، وأَسَرَ ما لا يُحصون كثرةً، وكان من جملة من أَسَرَ ألفُ امرأة من المسلمات، ومَثَّل بمَن وقع في أَسْره من المسلمين؛ فقَطَع آذانَهم وآنافهم وسَمَل أعينَهم.
ولما بلغ ذلك المُعْتَصِم انزعج لذلك جدًّا، وصرخ في قصره بالنَّفِير، ثم نهض من فَوْرِه وأمر بتعبئة الجيوش، واستدعى القاضي والشهود، فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع ثلثه صدقة، وثلثه لولده، وثلثه لمواليه، وخرج بالجيش إعانة للمسلمين، فوجدوا ملك الروم قد فعل ما فعل، وشمَّر راجعًا إلى بلاده، وتفارط ولم يمكن الاستدراك فيه، فقال للأمراء: أي بلاد الروم أمنَعُ؟ فقالوا: عَمُّوريةُ، لم يعرض لها أحدٌ منذ كان الإسلام، وهي عندهم أشرف من القسطنطينية، فعزم على فتحها، فأمكنه اللهُ منها.
وفي يوم الجمعة (25) من رمضان سنة (658هـ) وقعت عين جالوت، وكانت بين المسلمين والتتار، وتقع عين جالوت بين بَيْسان ونَابُلُس بفلسطين، وكان المسلمون بقيادة المظفَّر سيف الدين قُطُز، والمغول بقيادة كيتوبوقا. وقد سافر الملك المظفَّر بالعساكر من الصالحية، ووصل غَزَّة، والقلوب وجلة، ثم رحل الملك المظفَّر قطز بعساكره من غَزَّة، ونزل الغَوْرَ بعينِ جَالُوت، وفيه جموع التتار، في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان، ووقع المصاف بينهم في اليوم المذكور، وتقاتلا قتالًا شديدًا لم يُر مثله، وكتب الله للمسلمين النصر المؤزَّر، وفازوا فوزًا عظيمًا.
وفي رمضان سنة (702 هـ) وقعت معركة شَقْحَبٍ، أو معركة مرج الصُّفَّر، وكانت بين المسلمين والتتار، وهي الوقعة التي أفتى ابن تيمية الناس فيها بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده؛ ليعلمهم أن إفطارهم أفضل؛ ليتقوّوا على القتال؛ فيأكل الناس، وكان يتأول قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّكم قد دنوتُم من عدوِّكم، والفِطرُ أقوى لَكم» عام الفتح، كما في حديث أبي سعيد الخدري في «صحيح مسلم».
ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ، واستظهر المسلمون عليهم، فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب، ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فنصرهم الله عز وجل، وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة شديدة.
وفي العاشر من رمضان انتصر المسلمون والعرب على اليهود في معركة أكتوبر 1973، وحرر المصريون أرضهم وطهروا ترابهم من دنس المحتل.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها