لا أحد من الخلق يخلو من المعاصي والذنوب إلا من عصمه الله تعالى من الأنبياء والمرسلين، ففي الحديث كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. فالتوبة إذًا مشروعة لمن يعصي وبها يفتح الله تعالى باب الرجاء أمام من يذنب فيبعث له الأمل حتى لا تتوقف أمامه عجلة الحياة ويشعر أنها النهاية.
ومن الفهم الخاطئ للذنوب أن البعض حين يذنب يتجرأ وكانه بمنأى عن عذاب الله وعقابه؛ فالأمن من مكر الله من كبائر
الذنوب، وقد يكون كفرا، فإذا كان هذا الشخص لا يخاف مطلقا بمعنى أن الخوف منعدم من قلبه، وأصل الخوف غير موجود عنده، فهذا كفر -والعياذ بالله، أما إن كان قوله هذا لشدة رجائه، وضعف وازع الخوف عنده -وإن كان أصله موجودا في قلبه- فهو من أصحاب الذنوب.
وللامن من مكر الله تعالى عقوبات دنيوية وكذا أخروية يقول ابن القيم: فمما ينبغي أن يعلم، أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد، وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح ؟ ... وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟
وبهذا يتبين أن من يعصي تلومه
التوبة ولا يتجرأ ويستهتر ويمني نفسه بطول الأمل ومن ثم يسوف في توبته فهو لا يدري أين وكيف ومتى يموت.
ومن عقوبات الدنيا بسبب التجرا على المعصية نتيجة الأمن من مكر الله تعالى: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت. وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار.
هذه بالإضافة لغضاب الله تعالى وعقابه في الآخرة وإقصائه عن منازل الصالحين.