يتداول الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا عديدة وفيديوهات لشخصيات وأناس يرجح أنهم صينيون، يأكلون أكلات غريبة ومقززة، مثل الفئران الحية والخفافيش التي تسببت في انتشار فيروس كورونا، والكلاب الحية والقطط، وغيرها من الأطعمة التي لا تتخيل أن هناك إنسان يستطيع أكلها، إلا أن معلومات وصورا متداولة تؤكد حب الصينيين لها ونهمهم لها.
ونشرت إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيلا" تقريرًا قالت فيها إنه يرجح العلماء نشأة فيروس كورونا المستجد في أحد أسواق بيع لحوم الحيوانات البرية في الصين. وترجع جذور حب الحيوانات البرية في الصين للقرن الثالث قبل الميلاد! لكن كيف تغلل في الثقافة الصينية أكل لحوم هذه الحيوانات؟
وقال التقرير إن الدعابة الألمانية تقول إن سائحا صينيا عاد من رحلته لألمانيا سعيداً لأنه وجد أنواع كثيرة من لحوم القطط والكلاب في المتاجر الغذائية، لكن يتبين فيما بعد أنه كان في قسم غذاء الحيوانات المنزلية.
وتُستخدم هذه الدعابة في التعبيرعن الأحكام المسبقة لدى البعض عن الصينيين، وأهمها أنهم يأكلون لحوم الكلاب.
وأضاف التقرير أنه برغم أن هذا ليس بالإنطباع الخاطئ، لكنه ليس صحيحا تماماً أيضاً، فلحوم الكلاب ليست على مائدة كل أسرة أو على لائحة طعام كل مطعم في الصين. فلحوم هذه الحيوانات، التي يتم تربيتها بشكل حصري من قبل جهات معينة، هي طبق إقليمي بالأساس. لكن منذ أن زادت شعبية القطط والكلاب كحيوانات منزلية في الصين، تصاعدت حدة الإنتقادات الداخلية ضد أكل "صديق الإنسان".
وأضاف تقرير "دويتش فيلا" الألمانية أنه في مدينة يولين بجنوب غرب الصين كان يقام منذ 2009 إحتفال "لحوم الكلاب" في يوم الإنقلاب الشمسي السنوي. وتسبب ذلك الإحتفال في إنتقادات شديدة للمدينة من المدافعين عن حقوق الحيوان، وهو ما أدى إلى منع يولين لبيع لحم الكلاب في 2017.
لكن منظمات حماية الحيوانات مازالت تسجل حالات لتجارة وتناول هذه اللحوم، وهو ما يشير إلى المشكلة الأساسية في هذا الأمر: فالقوانين موجودة، لكنها لا تطبق دائماً.
منع تجارة الحيوانات البرية
بعد انتشار جائحة كورونا في إقليم هوبي الصيني والحديث عن انتقالها من الخفافيش للبشر، سعت الحكومة الصينية في نهاية شهر فبراير/ إلى منع صيد ونقل وتجارة وتناول الحيوانات البرية، وإستثنت من القرار حيوانات مثل اليمام والأرانب.
ويُعد انتقال الفيروسات من الحيوانات البرية للإنسان أمرا معروفا في الأوساط العلمية، وهو غير مقصور على الصين. فبعد انتشار وباء سارس اكتشف عالم الفيروسات الألماني "كريستيان دروستن" في 2008 وجود الفيروس في خفافيش ألمانية، وذلك في إطار تجربة معملية أجراها.
وأوضح التقرير أن المشكلة تكمن في تناول لحوم هذه الحيوانات وكذلك تدمير البيئة التي تعيش فيها، مما يجعلها تهرب لأماكن يسكنها الإنسان. لذلك تطالب "إليزابيث ماروما مريما"، وهي الأمينة التنفيذية للأمم المتحدة لأمانة إتفاقية التنوع البيولوجي، بأن يكون الاهتمام المشترك للبشرية هو إغلاق جميع أسواق بيع الحيوانات البرية من أجل "منع المزيد من الجوائح في المستقبل"، بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية. ولا تُعد الصين الدولة الوحيدة التي يوجد فيها هذا الخطر، فمرض "إيبولا" في أفريقيا و فيروس "نيباه" في ماليزيا انتقلا أيضاً من الحيوانات البرية للبشر.
لكن إجراءات منع أكل هذه اللحوم تتعارض مع التقاليد الصينية، فالحيوانات البرية جزء من المطبخ الصيني منذ القرن الثالث قبل الميلاد. كان الفيلسوف الصيني "مينسيوس"، وهو يُعد خليفة الفيلسوف الصيني الشهير "كونفوشيوس"، يتحدث في كتاباته في ذلك الوقت عن صعوبة اختيار أكلته المفضلة فيقول: "أنا أحب أكل السمك، وأحب أكل أخفاف الدببة. إذا لم أستطع الحصول على الإثنين، سأختار أخفاف الدببة".
تعتبر أخفاف الدببة من الأكلات المعتبرة في التقاليد الصينية، وهي واحدة من ثماني أكلات صينية يتم استخدامها أيضاً في الطب الصيني التقليدي منذ آلاف السنين. معظم نتائج العلاج بهذه الحيوانات والنباتات تستند على خبرات الأشخاص، فلم يثبت أثر معظمها في الطب البشري الحديث.
وكان ممارسو الطب الصيني التقليدي يعطون هذا النوع من العلاج أسماء جذابة ومبشرة لتشجيع استعمالها، فمثلاً إفرازات الخفافيش تُسمى "يه مينغ شا" أو "كنز الرمال الذي يضئ في الليل"، لكن لم يكن من أسموه بذلك يعلمون مثلاً أنه ينقل الفيروسات إلى الإنسان. والقاعدة العامة لتلك المواد المستعملة في الطب التقليدي هي: كلما كانت نادرة، زادت شعبيتها، وهو الأمر الذي تظهره التجارة غير المشروعة لقرون الخرتيت.
صيادون ومجاعات
وكشف تقرير " دويتش فيلا" سبب رواج لحوم الحيوانات البرية، و يرجع الفضل في ذلك لإمبراطورية تشينغ (من 1644 حتى 1919). كانت شعوب "جورشن" التي سكنت منطقة منشوريا في ذلك الوقت هي من أدخلت لحوم الحيوانات البرية للمطبخ الصيني، بحسب ما ذكر عالم الإثنولوجيا الصيني "واي شويهوا" في كتابه عن أكل منتجات اللحوم البرية في الصين.
في هذا الكتاب يقتبس "شويهوا" من الرواية الكلاسيكية "حلم الغرفة الحمراء" من القرن الثامن عشر، مقطعاً يحكي عن حفل ربيع أقيمت فيه وليمة مكونة من ثلاثين ظبياً، خمسين أيلا مسكيا، خمسين غزالاً، عشرين خنزيراً، عشرين ماعزا بريا، عشرين زوجا من أخفاف الدببة، خمسين رطلاً من خيار البحر وغيرها من الأكلات الشبيهة.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949 شهدت البلاد فترة مجاعة استمرت لثلاث سنوات، تبعتها قرارات سياسية من مؤسس الجمهورية "ماو تسي تونغ" تسببت في موت 45 مليون شخص جوعاً. في هذا الوقت الصعب كان الناس يأكلون أي شئ يجدونه.
رمز إجتماعي
بدأت نسبة الفقر في الصين تقل في السنوات الثلاثين الماضية بسبب النمو الإقتصادي السريع الذي شهدته البلاد. لكن بالرغم من تحسن الوضع الإقتصادي، زاد الإقبال علي أكل الحيوانات البرية لأن الأمر أصبح رمزاً على الوضع الإجتماعي المرموق.
في نفس الوقت أصبحت الجهات التي تدير العمليات التجارية لهذه اللحوم تتمتع بالقوة الإقتصادية التي تمكنها من الإستمرار. فعندما أعلنت مدينة "شينجين" عن حظرها لتناول لحوم القطط والكلاب بدءاً من شهر مايو/ من هذا العام كانت أعلى الأصوات المعارضة على منصات التواصل الإجتماعية هي أصوات منتجي لحوم الكلاب الذين اتهموا المدينة بـ"التنازل عن جزء جوهري من الثقافة الصينية.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟