لجنة الفتوي بمجمع البحوث الإسلامية ردت علي هذا التساؤل قائلة :من كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه أو كان شيخًا كبيرًا فانيًا لا يستطيع الصوم وجب عليه الفدية بأن يطعم عن كل يوم مسكين؛ لقوله -تعالى-: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" (البقرة: ١٨٤).
اللجنة استدلت في الفتوي المنشورة علي الصفحة الرسمية للمجمع علي شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك " بقول ابن عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-في تفسيره لهذه الآية : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
فتوي مجمع البحوث حددت مقدار الفدية بما تتكلفه وجبتا الإفطار والسحور بحسب المعتاد في كل بلد، ويجوز إخراجها دفعة واحدة في أول يوم من رمضان كما هو مذهب الحنفية.
الفتوي أشارت بما جاء في الدر المختار، وحاشية ابن عابدين:(للشيخ الفاني العاجز عن الصوم الفطر، ويفدي وجوباً ولو في أول الشهر، أي يخير بين دفعها في أوله وآخره).(حاشية ابن عابدين:٢-٤٢٧)
فيما لا يجوز دفعها والكلام مازال للجنة الفتوي قبل دخول شهر رمضان، لأن سبب وجوبها هو العجز عن الصوم بعد دخول الشهر، ومن ثَمَّ فلا يجوز دفعها قبله؛لأنه لا يجوز تقديم الحكم على سببه، وذلك بخلاف الزكاة فإنه يجوز تعجيلها قبل حلول الحول؛لأنها تعجيل لمال وجد سبب وجوبه وهو كمال النصاب، فجاز تعجيله قبل وجوب أدائه وهو حولان الحول، كتعجيل قضاء الدين قبل حلوله.
وفي السياق ذاته قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الديار المصرية إن الحكم الشرعي لصوم المريض من عدمه يرجع فيه إلى الأطباء، فإن رأوا أن في الصيام ضررا على صحته وجب عليه الفطر والقضاء بعد ذلك لمن استطاع.
عاشور أكد في معرض رده علي تساؤل : هل يجوز للمسلم السليم أن يفطر رمضان ليظل حَلْقُهُ مبَلَّلًا بالماء لأنه يخاف من أن تنتقل إليه عدوى المرض المعدي؟، فقال إن "على الإنسان في حالاته العادية أن يفعل ما كُلِّفَ به الجميع من خلال الشرع، وهو ما يسمى (العزيمة)، فإن اعتراه عذر معتبر عند أهل الشرع بناء على كلام أهل الاختصاص كالأطباء في الأمراض، فإنه ينتقل من حال العزيمة ويأخذ بمقابلها وهي (الرخصة) وكلاهما من الشرع".
ومضي مستشار مفتي مصر إلي القول : "في مثل حالة الصيام هناك أحكام ثلاثة لأسباب الرخصة: فإن كان السبب واقعا ويقينيا - بقول الأطباء - فيجب الأخذ بالرخصة حينئذ.. وإن كان سبب الرخصة (العذر) مظنونا، فكذلك يجب الأخذ بالرخصة؛ حفاظا على صحة الإنسان وحياته، وهاتان الحالتان هما ما جاء فيهما قوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وعملا بالقاعدة القرآنية الكلية: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)".أما الحالة الثالثة بحسب الدكتور عاشور فتدور في إطار أن يكون سبب الرخصة متوهَّما، يعني لا أساس له وغير صحيح عند المتخصصين من الأطباء، ففي هذه الحالة لا يجوز للإنسان أن يأخذ بالرخصة لفقدان محلها، بل يأخذ بأصل الشرع ( العزيمة ) وهي هنا وجوب الصوم".
وأضاف : "في مسألة صوم المريض يرجع الحكم الشرعي فيه إلى الأطباء، فإن رأوا أن في الصيام ضررا على صحة المريض، وجب عليه الفطر والقضاء بعد ذلك لمن يستطيع، أو الفطر والفدية لمن لا يستطيع الصوم بعد ذلك..
وشدد مستشار مفتي مصر علي أن الخوف من المرض ليس بمرض في حالة الصيام بل هو وهم زائد، ما دام لم يقل به الأطباء؛ ولذلك يجب الصوم على صاحب هذه الحالة.
وخلص في فتواه علي تأكيد محورية رأي الطبيب بالقول : الأمر يعود في كل حالة علي حدة لرأي الأطباء المتخصصين في حالة صيام المريض من عدمه مشيرا في السياق نفسه إلي أجماع المتخصصين علي أهمية الصيام في تقوية جهاز المناعة بشكل يجعل الإنسان قادرا علي مواجهة الفيروسات والميكروبات وكل من شأنه أن يهدد الصحة العامة .