لم تكن أمة خاتم المرسلين والنبيين أول أمة فرض الله عليها الصيام، ولكن الله عز وجل فرضه على الأنبياء السابقين وأممهم وإن اختلفت طريقة ومدة الصيام، بالإضافة إلى أن هناك كثيرا من الأنبياء تشابهوا في صيامهم، كما ذكر الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ويؤكد العلماء أن
فريضة الصيام قديمة منذ أن خلق الله آدم عليه السلام، وصوم الأنبياء هو نفس صوم أتباعهم، بهدف التقرب إلى الله.
أبو البشر أول من صام
ولقد ذكر السيوطي في كتابه الوسائل إلى معرفة الأوائل أنّ نبي الله آدم -عليه السلام- كان يصوم لله -تعالى- ثلاثة أيام من كل شهر، وورد عن الضّحّاك أنّ نوحاً -عليه السلام- هو أول من صام من النبيين، وبالرغم من أنّ الله -تعالى- ذكر أنّ الصيام كان مفروضاً على الأمم السابقة إلا أنّه -سبحانه- لم يذكر كيف كانت طبيعة الصوم سابقاً. فذكر بعض العلماء أنّ التشبيه الوارد في الآية الكريمة هو تشبيه الوجوب، لا تشبيه الكيفيّة، ولا الفترة الزمنية. فقد صام آدم -عليه السلام- الأيام البيض، وصام موسى -عليه السلام- عاشوراء هو وقومه، وصام
نوحٌ -عليه السلام- اليوم الذي يوافق يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، وظلّ الصيام على هذه الشاكلة بحسب أقوال الصحابة كعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- حتى جاء الإسلام ناسخاً لما سبق، وشرع فريضة الصيام في شهر رمضان.
فالنبي نوح عليه السلام هو أكثر من عاش على هذه الأرض حيث عاش 950 عاما، وكان يصوم الدهر كله ومعظمه حتى كبر عمره، إلا أنه كان حريصا على أداء هذه العبادة، وكان قادرا على أداء الصيام على التوالي هو وقومه، وذلك نظرا للقوة الجسمانية التي كان يتمتع بها هو وقومه، ولكن كان صيامهم كصيام النصارى وهو الامتناع عمن فيه روح، بحسب ما ذكر د. مصطفى مراد أستاذ الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر في "البيان".
نبي الله داوود عليه السلام تميز عن الأنبياء الآخرين بصيامه يوما وفطره يوما، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته تميزوا عن باقي الأنبياء والأمم بصيامه شهر رمضان دون سائر الأمم، وغيرهم من الأنبياء.
كما أن سيدنا موسى عليه السلام كان يصوم
يوم عاشوراء، وكان قومه يصومون أيضا اليوم نفسه ، وذلك لأن هذا اليوم الذي أهلك الله فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن تبعه من الغرق، ولذلك عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووجد اليهود يصومون هذا اليوم فسأل أهلها فقالوا له إن هذا اليوم الذي نجا الله فيه موسى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على صيام يوم عاشوراء، ولكن في آخر أيامه قال لأصحابه، صوموا يوما قبله، أو صوموا يوما بعده، قائلا: وإن عشت إلى العام المقبل لأصومن تاسوعاء وعاشوراء، فكانت النية بمثابة العمل، ولكن توفاه الله قبل أن يفعل ذلك، وذلك من أجل مخالفة اليهود في عباداتهم.
كما أن نبي الله عيسى عليه السلام كان يصوم عن الجوارح وأشياء معينة يمتنع عن أكلها كالامتناع عن أكل اللحوم والطيور وكل ما فيه روح، موضحا أن كيفية الصيام تختلف من أمة لأخرى فصيام شهر رمضان خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقط دون سائر الأنبياء، ما عدا صيام سيدنا موسى، أو صيام اليهود فكان يساير صيام المسلمين إلا أنه كان أياما معدودات، وليس شهرا كاملا كما هو الآن، وكان صوما خاصا ببعض المناسبات كالشكر لله وغيرها من الأمور الأخرى.
طرق مختلفة للصيام
اما كيفية الصيام فقد كانت تختلف من نبي لآخر، فبعضهم كان يصوم عن أنواع معينة من الأطعمة، وبعضهم عن الأطعمة كلها، وبعضهم كان يصوم عن الكلام، كما ورد في قصة سيدنا زكريا عليه السلام التي ذكرت في القرآن الكريم {قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويا}.
وكذلك كما ورد في قصة مريم عليها السلام {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} وهذا ما يؤكد على أن من أحد أنواع الصيام عند الأمم السابقة كان صيام السكوت عن الكلام.
كما يري أهل العلم أن الصيام عند الأنبياء مختلف عن صيام المسلمين في الوقت الحالي، فطبقا لما جاء في التوراة والإنجيل، فكان هناك بعض الأنبياء يصومون لمدة معينة في السنة، وبعضهم يصومون عن كل الأطعمة لمدة 3 أيام في الشهر، وفريق ثالث كان يصوم من غروب الشمس إلى غروب شمس اليوم التالي، ولذلك فصيام الأنبياء يمكن معرفة كيفيته من خلال صيام تابعيهم.
هكذا بدأ صيام أمة محمد
وبالنسبة لصيام أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن بصورته الحالية لم يكن هو الذي فرض على المسلمين في بداية الأمر.
حيث كان الصيام في بداية الدعوة عبارة عن صوم أيام معدودات كصوم 10 أيام من شهر المحرم، مشيرا إلى أن الصوم بصورته الحالية لم يتم فرضه إلا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
إلى هنا يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال أستاذ الشريعة الإسلامية أن الصيام فرض في أول الأمر على المسلمين لمدة أيام معدودات لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون؟ أياما معدودات} موضحا أنها كانت 3 أيام من كل شهر، ومعنى ذلك أن الأمم السابقة كانت تصوم 3 أيام أيضا من كل شهر.
اقرأ أيضا:
كيف تواجه الشيطان وحزبه وتثبت على طريق الحق والإيمان؟ (الشعراوي يجيب) اقرأ أيضا:
كيف رد "الشعراوي" على الذين إذا حُدِّثوا بشيء من حديث الرسول قالوا: بيننا وبينكم كتاب الله؟