كانت غزوة بدر في السابع عشر من الشهر الفضيل، حيث نصر الله نبيه، وسمي يوم بدر بيوم الفرقان، وقاتلت فيه الملائكة.
ولم تتوقع قريش يوما ما أن تنهزم من النبي واصحابه، وهم أصحاب القرار والسيادة في جزيرة العرب، وكل الناس تبع لرأيهم وقرارهم.
وكانت قريش تخرج إلى الأبطح وذي طوى، حين خرجت قريش تمنع عيرها، يتحسسون الأخبار، فسمعوا هاتفا بأعلى مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون، وهو ينشد بأنفذ صوته ولا يرى شخصه:
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة .. سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
فيا ويح من أمسى عدو محمد.. لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا
وقال قائلهم: من الحنيفيون؟ فقالوا: هو محمد وأصحابه يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف، فحسبوا فوجدوا الليلة التي أوقع فيها المسلمون أهل بدر في صبيحتها.
وكان أول من قدم مكة، بمصابهم رجل يقال له الحَيْسُمان بن إياس الخزاعي- وأسلم بعد ذلك-.
فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الأسود، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام.
فلما جعل يعدد أشراف قريش، قال صفوان بن أمية وهو قاعد في حجر الكعبة: والله ما يعقل هذا، لقد طار قلبه، فسلوه عني.
فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: ها هو ذاك قاعدا في الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا في بدر.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاوعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه.
وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله تعالى وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزة.
يقول أبو رافع: و كنت أعمل الأقداح في حجرة زمزم، فو الله إني جالس فيها أنحت أقداحي وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طرف الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم.
فقال أبو لهب: هلم إلي يا بن أخي فعندك لعمري الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس، فقال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شيء.
فقال أبو رافع: فرفعت طرفا من الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: وثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض، ثم برك عليّ يضربني، وكنت رجلا ضعيفا.
فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا.