كان سوق هو المعرض العربي العام أيام الجاهلية، معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم لدينا نحن أبناء هذا العصر. فهي مجمع أدبي لغوي رسمي، له محكّمون تضرب عليهم القباب، فيعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم، فما استجادوه فهو الجيد، وما بهرجوه فهو الزائف.
التجارة داخل عكاظ:
كما أنه كان السوق التجارية الكبرى لعامة أهل الجزيرة، يحمل إليها من كل بلد تجارته وصناعته كما يحمل إليها أدبه، فإليها يجلب الخمر من هَجَر والعراق وغزة وبصرى، والسمن من البوادي، ويرد إليها من اليمن البرود الموشّاة والجلود، وفيها الغالية وأنواع الطيب وأدوات السلاح.
ويباع فيها الحرير والوكاء والحذاء والمسيّر والعدني، يحملها إليها التجار من معادنها، وفيها من زيوت الشام وزبيبها وسلاحها ما اعتادت قريش أن تحمله في قفولها إلى مكة. ويعرض فيها كثير من الرقيق الذي ينشأ عن الغزو, وسبي الذراري فيباع فيها بيع المتاع التجاري.
اقرأ أيضا:
ما هو الفرق بين البيت العتيق والبيت المعمور؟ ومكان كل منهما؟عجائب السلع:
وقد كانت تجارة فارس يصل منها أشياء إلى عكاظ، فإن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يبعث إلى سوق عكاظ كل عام العير المحملة مسكا وغير ها، في جوار رجل شريف من أشراف العرب يجيرها له ويحميها من كل معتدٍ حتى تصل سالمة إلى عكاظ فتباع هناك, ويشرى بثمنها ما يحتاج إليه من جلود الطائف وسائر المتاع في عكاظ, من حرير وعصب مسيّر.
كما شهد عكاظ بيع حلة سيف بن ذي يزن – ملك اليمن- فاشتراها حكيم بن حزام ليهديها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اشتهرت عكاظ نفسها بما يعرض فيها من جلود حتى قالوا: "أديم عكاظي" نسبة إليها.
عجائب اللصوص:
كانت البضائع المجهولة الأصل المعروضة في عكاظ تجد من شرائع القوم وأعرافهم التي التزموها في ذلك الوقت، ما يجعلها كاسدة لا يرغب فيها أحد.
وكان بعض لصوص العرب ققد رّب إبلا للبيع في سوق عكاظ وكان أغار عليها من كل وجه، فلما عرضها قيل له: "ما نارك؟ " "أي: ما سمة إبلك؟ وكانوا يعرفون علامة كل قوم التي يسمون إبلهم, ويعرفون كرمها من لؤمها".
فلما كثر ذلك عليه أنشأ يقول:
يسألني الباعة أين نارها .. إذ زعزعتها فسمت أبصارها
كل نجار إبل نجارها .. وكل نار العالمين نارها
كما كان عكاظ معرضا لكثير من عادات العرب وأحوالهم الاجتماعية، مثل ما وقع لـ "قس بن ساعدة" في خطبته الشهيرة، حيث خطب الناس، يذكر الخالق ويعظهم بمن كان قبلهم ويأمرهم بفعل الخير.