شخصيات كثيرة ذكرها التالريخ ولا يعلم عنها شيء من هذه الشخصيات ما يسمى بــ"بهلول المجنون"، وهو الملقب بواعظ الرشيد.. وقد شيع عنه قصص كثيرة وحكايات شتى أهمها مناظرته الشهيرة لأبي حنيفة حقيقية في مسائل ثلاث: أن النار لا تحرق إبليس، وأن الإنسان مسير، وأن الجنة غير موجودة؛ لأننا لا نراها.. فمن هو بهلول وهل صحته مناظرته للإمام الأعظم؟
بهلول شخصية معروفة، وقد ترجم له عدد من المصنفين، منهم الذهبي رحمه الله تعالى؛ حيث قال:"البهلول المجنون. هو البهلول بن عمرو، أبو وهيب الصيرفي الكوفي، وسوس في عقله، وما أظنه اختلط، أو قد كان يصحو في وقت، فهو معدود في عقلاء المجانين، له كلام حسن، وحكايات.
كان حيا في دولة الرشيد. طوَّل ترجمته ابن النجار، وذكر أنه أتى بغداد...
وقد ساق أبو القاسم المفسر في كتاب "عقلاء المجانين" له حكايات وأشعارا، وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى، أنه توفي سنة 192 هجرية، وقال:" كانت له كلمات حسان، ولقي الرشيد في سنة ثمان وثمانين وهو يريد الحج، فوعظه موعظة بليغة. وقد ذكرناها هناك. وكان بهلول يأوي المقابر " انتهى من "المنتظم".
إذًا، فالثابت مما مر أنه شخصية حقيقة لا خيالية.
وبالنسبة للحكاية المتدولة عن مناظرته لأبي حنيفة حول وجود الجنة الآن، وعن فعل الإنسان وأين يعذب الشيطان في الآخرة، فقد ذكرت أمانة التوى بـ" سؤال وجواب" أن هذه قصة كذبها ظاهر؛ لأسباب كثيرة منها أن هذه الحكاية إنما يتداولها الشيعة، وعمدتهم في ذكرها كتب متأخرة، وأقدم مصدر عرف بهذه الحكاية هو كتاب متأخر جدا؛ وهو الكتاب المسمى بـ "مجالس المؤمنين" للتستري الشيعي، المتوفى سنة 1019 هجرية.
ذكروا أن البهلول اجتاز ذات يوم على أبي حنيفة، فسمعه يحدّث تلاميذه فيقول لهم: إنّ لجعفر الصادق أقوالا ثلاثة لا أقبلها:
القول الأول: إنه يقول: إن الشيطان يعذّب بالنار، وكيف يتم تعذيب من هو مخلوق من النار بها.
الثاني: إنّه يقول: إنّ الله لا يُرى، وكيف يصحّ القول في موجود وليس يُرى.
القول الأخير: حيث يقول: فاعل الفعل الإنسان نفسه، وقد وردت النصوص بخلافه.
ولما فرغ أبو حنيفة من كلامه تناول البهلول من الأرض حجرا وضرب به رأس أبي حنيفة وهرب، ومن غرائب الصدف أنّه وقع في جبهته فآلمه، فتبعه راكضا مع تلامذته وقبضوا عليه، ولمّا كان من أهل الخليفة لم يجرؤوا على إيذائه، ولكن حملوه إلى الخليفة وشكوه إليه، فقال البهلول لأبي حنيفة: أي ظلم نالك منّي؟
فقال: تلك الحجارة التي ضربت بها رأسي حتّى سال دمي وأوجعتني.
فقال لأبي حنيفة: أرني الألم.
فقال أبو حنيفة: وهل يمكن رؤية الألم.
فقال: فكيف عارضت الإمام الصادق عليه السلام أنّ الله يرى، إذ لا معنى لموجود وليس يّرى؟
وإنّك لتكذب بادّعائك الألم من الحجر، لأنّه تراب وأنت أيضا من التراب، والتراب لا يؤثر بالتراب ولا يعذّب به، قياسا على ما عارضت به الإمام من عدم تعذيب الشيطان بالنار لأنّه منها.
وأنت استبعدت قول الإمام عليه السلام من أن الفعل ينسب إلى فاعله، أي هو فاعل الفعل، وإذا لم يكن العبد فاعلا لفعله، فلماذا شكوتني إلى الخليفة وحملتني إليه وطالبتني بالقصاص؟!
ولمّا عجز أبو حنيفة عن الجواب ولم يأت بكلام معقول ومقبول، قام خجلا من المجلس" انتهى. من كتاب الشيعي التستري الذي سماه "مجالس المؤمنين".
فقوله: " وقد ذكروا أن البهلول... ". فمن هؤلاء الذين ذكروا؟ والخبر إنما تعرف صحته بصحة إسناده، ولا يعرف لهذا الخبر إسناد.
ومما يؤكد بطلانها أيضا أن الخبر يحتوي على عقائد متأخري الشيعة من الرافضة، لم تعرف عند الشيعة زمن جعفر الصادق، وجعفر من أئمة السلف.
أيضا من أدلة بطلانها كما حكت اللجنة أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى إمام من أئمة المسلمين، فلا يستقيم مع إمامته هذه أن يكذِّب ما نص عليه القرآن في آيات عدة من أن الشيطان مآله إلى النار، كذلك أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لم يعرف عنه أنه عاش في مدينة بها خليفة، إنما كان مقامه بالكوفة، ولم تكن مقر خلافة، والعباسيون كانوا بها قبل خلافتهم فلما أخذوا الخلافة فارقوها، وإنما يذكر أهل التاريخ أن أبا حنيفة استقدمه أبو جعفر المنصور إلى بغداد ليوليه القضاء فرفض، فيقال إنه مات في السجن، ولم يعلم أنه طال به المقام في بغداد حتى يدّرس ويجتمع حوله الطلاب.
وأما بهلول فهو كوفي أيضا، ومن ذكر أنه أقام في بغداد زمن هارون الرشيد، فيومئذ لم يكن أبو حنيفة حيا؛ لأنه توفي سنة 150 هجرية، والخليفة هارون إنما تولى الخلافة سنة 170 هجرية.
أن هذه الرواية تحتوي على كذب بارد، من ركض أبي حنيفة – مع وقاره المعروف- خلف مجنون، وادعاء أن البهلول كان من أقارب الخليفة، فهذا لا يعلم له مصدر موثوق إلا ما نقله التستري الشيعي، عن كتاب للشيعة في التاريخ يسمى بـ "تاريخ كزبدة" لحمد الله القزويني، ولا تعلم لهذا الكتاب أية قيمة علمية، حتى الشيعة أنفسهم لا يرونه عمدة عندهمف، فالخبر لا يصح، وعلامات الكذب ظاهرة وواضحة عليه، لكن هذا لا ينفي أن بهلول شخصية حقيقة وله حكايات رواها أهل السير.