لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا إلاودل عليه أصحابه والمسلمين والناس جامعين، ولم يعرف شرًا إلا وحذرهم منه.
ومن أفضل وصايا الخير التي دل عليها النبي وصيته الذهبية صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس قال: [إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ](رواه الترمذي، وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
ظروف قاسية
قد يمر الإنسان ببعض الظروف القاسية التي يرتبك بسببها، ويصبح مثل الملهوف الذي يبحث عن أي شيء يغيثه، خاصة إذا كان الابتلاء في الصحة أو الولد أو المال، وكلها أشياء ونعم عزيزة على النفس.
وقد يعيش الإنسان في عالم من الخوف على ضياع هذه الأشياء، فيتحول إلى سجين وأسير للخوف من المستقبل، وربما يجد الإنسان نفسه محاصرا في رزقه وأمنه نتيجة بعد الظروف التي يحيا فيها من ظلم المجتمع.
لذلك قدم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوصية الشافية لابن عباس ولكل مهموم أو مغموم، ولكل مكروب أو مظلوم، ولكل صاحب حاجة، "إذا سألت فاسأل الله"، فحين تشتد بك الخطوب، وتحيط بك الكروب، وتظلم أمام عينيك الدنيا . فقل يا ألله.
وحين يضيق بك الأمر، وتستحكم عليك حلقاته، ولا تجد لك مخرجًا.. فقل يا ألله.
وحين يتبدل الحال، ويقل المال، وتكثر النفقات، وتتراكم على رأسك الطلبات، ولا تجد معك ما تؤدي به الحقوق والواجبات.. فقل يا ألله.
حين تتبدل الحقائق، وتنتكس الفِطَر، ويُهزأ بالقيم، وتُحارب الفضائل، وتمتدح الرذائل.. فقل يا ألله.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةالدعاء نعمة كبرى
هذا ملخص ما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه ونصحنا جميعا، حتى تطمئن قلوبنا بأن ليس هناك ضرر يقع علينا من أي مخلوق إلا أن يشاء الله، وأن الدعاء نعمة كبرى، ومنحة عظمى، تفضل الله بها على عباده، وجاد بها عليهم، فأمرهم به وحثهم عليه، ووعدهم الإجابة وعلَّقها به، وسيَّرها في ركابه؛ فمتى وُجِد الدعاء فالإجابة معه، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعِ إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}، وقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
ففي الدعاء يظهر الذل والفاقة والافتقار والحاجة والعجز من السائل للمسئول.. وهي اعتراف من السائل بالعز والعلم والغنى والقدرة والسلطان للمسئول، وهو عين العبودية وقمة الافتقار.
ويعلم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وكل صاحب حاجة إذا أراد أن يسأل ألا يسأل إلا الله، وألا يعلق قلبه بسواه، لأن مصائر الأمور كلها إليه، وقلوب العباد كلهم بيديه، والكون كله خاضع لقدرته، مستجيب لإرادته، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، وكل ما في الكون إنما هي أدوات لتحقيق قضائه وقدره.. فلا يمكن أن يصل إليك خير قط إلا إذا كان الله قد كتبه لك، ولا يمكن أن يوصل أحد إليك شرا قط إلا إذا كان الله قد قدره عليك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ].
قال طاووس لعطاء بن أبي رباح رحمهما الله: "إياك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك سبحانه وتعالى".
وروى أبو داود والترمذي والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: [مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ](رواه أبو داود والترمذي والحاكم).