الهجرة النبوية الشريفة هي حدث تاريخي مفصلي في تاريخ الدعوة الإسلامية تمكن الرسول وأصحابه من بناء أعظم دولة إسلامية في التاريخ وكرست الطابع العالمي للدعوة الإسلامية إذ بعد الاستقرار في المدينة بدأت دعائم الدولة الإسلامية تظهر للعلن وتمتد إلي مشارق الأرض ومغاربها.
وقد جاءت هجرة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه مكة إلى يثرب بسبب ما كانوا يلاقونه من أذى وعذاب من زعماء قريش، خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب،وقد وقعت أحداثها في عام 14 للبعثة، الموافق لـ 622م، وتم اتخاذ الهجرة النبوية بداية للتقويم الهجري، بأمر من الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب بعد استشارته بقية الصحابة في زمن خلافته.
قبل التطرق إلي مراحل الهجرة يجدر بنا التأكيد علي أنه جري الإعداد لها بشكل متأن نسبيا واستغرقت عديد من المراحل حيث هاجر رسول الله -صلَى الله عليه وسلَّم- رفقة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى المدينة المنورة، بشكل متدرج وسار في مناطق وتريث في أخري وتوقف عندها وبات لياليه فيها،
وعلينا هنا أن ندرك أن التفكير بشكل واضح قد بدأ حين علم رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم بأمر الله سبحانه وتعالى له بالهجرة بالطبع بعد أن أخبره سيدنا جبريل بذلك فقد بدأ الرسول بالتخطيط لأمر الهجرة بعناية وإحكام حتى يستطيع إخفاء هذا الأمر عن قريش وضمان عدم علم قريش بأي شئ عنها، لذا فقد خرج من منزله وقت الظهيرة.
وبعدها توجه الرسول إلى منزل أبو بكر الصديق الصحابي الجليل وعندما مست قدمه الشريفة عتبات منزل أبو بكر أخبره الرسول بأنّه سيهاجر من مكة إلى المدينة وأبلغه أيضا أنّه سيكون صاحبه في الهجرة وحينها لم يتمالك أبو بكر نفسه بسبب فرحته وسعادته لأنه سيشارك النبي الكريم هجرته فبكى بشدة وقد أمر الرسول الكريم علي بن أبي طالب رضي الله سبحانه وتعالى عنه "ابن عم الرسول" بأن ينام بفراشه لكي يظن المشركون أنّ النبي لا يزال في منزله .
وخلال هذه الفترة قام الرسول صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق بوضع جميع الترتيبات لهذه الرحلة المباركة عبر الإعداد والتجهيز للانطلاق برحلة الهجرة، فيما شرع أبو بكر في اتخاذ تدابير الإعداد للرحلة حيث جهز راحلتين، وأيضا حمل معه 5000 دينار من ماله الخاص رضي الله سبحانه وتعالى عنه وأرضاه.
في تلك المرحلة قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتنظيم كل شئون الرحلة عن طريق توزيع كل المهام على الرجال والنساء، فقد قام باستئجار أحد الأدلة ويدعى عبد الله ابن أريقط لكي يقوم بمهمة إستكشاف الطريق،رغم عدم اعتناقه الإسلام وأيضا قد كلّف الصحابي الجليل عبد الله ابن أبو بكر رضي الله عنهما بمهمة تقصي ومعرفة أخبار المشركين بالإضافة لإعلام النبي بكل ما يصله من معلومات وأخبار
فيما كلّف النبي عامر ابن فهيرة بمهمة لرعي الأغنام على آثار الأقدام لكي لا يستدلّ المشركون منه على مكان النبي الكريم وقد كانت أسماء بنت أبو بكر صاحبه رضي الله عنهما تقوم بمهمة الإمداد والتزويد بالطعام والشراب داعمة لهم بإحتياجاتهم وغير عابئة بالخطر الذي تضع نفسها فيه
أما المراحل العملية للهجرة النبوية الشريفة فقد بدأت من مكة منتقلا هو والصديق أبو بكر إلي غار ثور: في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر في السنة الرابعة عشر للبعثة، حيث سبق ذلك اجتماع ثنائي بينهما - وخرجا سرًا من مكة المكرمة باتجاه المدينة المنورة، ولكنَّ رسول الله تنبَّه إلى أنَّ المشركين سيسلكون الطريق الرئيس المتجه نحو المدينة وهو الطريق الشمالي،
وهنا اتخذ الرسول عددا من التدابير الاحترازية هو وصاحبه حيث سلك مع صاحبه الطريق الجنوبي وصولًا إلى جبل ثور وهناك أقاما في غار ثوروخلال هذه الإقامة ، لحقت جماعة من قريش بهما ووصلتْ إلى جبل، وفي هذه الحادثة روى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: "قُلتُ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا:
وبعد أن نجا الله الرسول والصديق من كيد الكافرين بدأت رحلة الذهاب إلي المدينة: حيث وصل رسول الله وصاحبه إلى خيمة أم معبد، فنزلا بها وسألا عن شيء من الطعام يأكلانه، فلم يجدا عند أم معبد إلَّا شاة هزيلة نحيفة لا لبن فيها، فمسح رسول الله بيده على ضرع الشاة فبارك الله فيها فحلبت وشرب الجميع منها،
وبعد معاناة شديدة وتعب وإرهاق بسبب تداعيات السفر ومطاردة سراقة بن مالك للرسول وسيدنا أبو بكر للفوز بالمائة ناقة التي أوقفه قادة قريش لمن يقتل محمد وصاحبه وصل رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصاحبه إلى المدينة المنورة بإذن الله تعالى.
وبدأت مرحلة جديدة بل وفارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية ترتبت عليها العديد من النتائج والتداعيات الإيجابية وكانت بداية إنشاء الدولة الإسلامية الكبيرة التي حكمت الشرق كلَّه فيما بعد، يحكم فيها بين الناس بشرع الله تعالى.
وقد مكنت الهجرة كذلك المسلمين من النجاة من بطش المشركين والإقامة في بيئة آمنة على المسلمين جميعًا فضلا عن ترسيخ مبدأ الإخاء بين المسلمين من خلال الأخوة العظيمة التي كانت بين المهاجرين والأنصارو اجتماع المسلمين في بلد واحد دون أحقاد ولا أضغان، بل أنه كان اجتماعًا صافيًا بقلوب صافية وتحت راية واحدة وهي راية التوحيد.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورها