تمتلأ السيرة النبوية العطرة خاصة في درس الهجرة النبوية بالدروس الإيمانية العظيمة، التي توقظ القلوب، وتحيي في النفوس التضحية واليقظة والتوكل لأجل الدين، وما بذله الرسول وصحبه الكريم في تثبيت ونشر هذا الدين.
ففي حادث الهجرة عندما رأى أبو بكر رضي الله عنه وصول أصحاب القافة واستقصاء الأثر إلى الغار، اشتد حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال إن قتلت فإنما، أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا".
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهالماذا لا تحزن ولم يقل لا تخف؟
يقول الإمام السهيلي : ألا ترى كيف قال لا تحزن ولم يقل لا تخف؟
لأن حزنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه ولأنه أيضا رأى ما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من النصب وكونه في ضيقة الغار مع فرقة الأهل ووحشة الغربة وكان أرق الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفقهم عليه فحزن لذلك.
وقد روي أنه قال نظرت إلى قدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم في الغار وقد تفطرتا دما، فاستبكيت، وعلمت أنه عليه السلام لم يكن تعود الحفاء والجفوة.
وأما الخوف فقد كان عنده من اليقين بوعد الله بالنصر لنبيه، ما يسكن خوفه وقول الله تعالى: " فأنزل الله سكينته عليه".
يقول أكثر أهل التفسير: يريد على أبي بكر وأما الرسول فقد كانت السكينة عليه وقوله " وأيده بجنود لم تروها" وأن الهاء في أيده راجعة على النبي والجنود الملائكة أنزله عليه في الغار فبشروه بالنصر على أعدائه فأيده ذلك وقواه على الصبر.
ويضيف السهيلي: وقد قيل " وأيده بجنود لم تروها"، يعني: يوم بدر وحنين وغيرهما من مشاهده وقد قيل الهاء راجعة على النبي عليه السلام في الموضعين جميعا وأبو بكر تبعل ه فدخل في حكم السكينة بالمعنى.
وأوضح أنه كان في مصحف حفصة "فأنزل الله سكينته عليهما" وقيل إن حزن أبي بكر كان عندما رأى بعض الكفار يبول عند الغار فأشفق أن يكونوا قد رأوهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن فإنهم لو رأونا لم يستقبلونا بفروجهم عند البول ولا تشاغلوا بشيء عن أخذنا".