ذُكِرَ أن أحد الشعراء كان فاسِقًا ماجِنًا، فكان إذا أراد أن يفعل بامرأة فاحشة دعاها إلى نفسه.. فإن أبت هدَّدها بأن ينشئ فيها شعرًا يهجوها به تسير به الركبان، فدعى يومًا امرأةً إلى فاحشة فأبت عليه، فلما هدَّدها بذلك أظهرت له الموافقة وقالت له: أنا آأتيك في مكان كذا وكذا.. ولكني امرأة أستحي فلا تُشعِلنَّ سِراجًا ولا تُحدِّثني. قال: نعم. فلما أقبل الليل وذهب الرجل إلى ذلك المكان، ذهبت هذه المرأة إلى زوجة هذا الشاعر وأخبرتها بالقصة، وقالت اذهبي أنتِ إليه، فذهبت زوجته إليه ثم دخلت عليه في هذه الدار المظلمة، ثم لما انتهى منها.. قالت له: يا فلان أما عرفتني؟! أنا فلانة زوجتك. فقال لها: أعوذ بالله ما أقبحكِ في الحلال وما ألذكِ في الحرام!.
قد يقع الإنسان في الفاحشة والحرام ثم يتوب عنها، إلا أن بعض الناس تتلذذ بهذا الحرام، وقد علمنا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نحرص على الحلال ونتجنب كل ما فيه شبهة حرام، فالحرص على الحلال يجلب لنا رضا الله عز وجل، واقتراف الحرام يلحق بنا أعظم الضرر في عقيدتنا وفي حياتنا.
ولقد بينت لنا الشريعة الإسلامية معالم الحرام والحلال واضحة، وعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا قائلا: " إن الحلال بين وإن الحرام بيّن وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ".
الصراع بين الحلال والحرام
يبين هذا الحديث النبوي الشريف، قضية الصراع بين الحلال والحرام، وأول مبدأ قرره الإسلام لتوضيح الخطوط الفاصلة بين الحلال والحرام أن الأصل في ما خلق الله من أشياء ومنافع هو الحل والإباحة، ولا حرام إلا ما ورد نص صحيح وصريح من الشارع بتحريمه، وعلى ذلك فإن ما لم يرد نص صريح صحيح بحله أو حرمته فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وواجب المسلم أن يقف عند حدود الحلال والحرام ولا يتجاوزها .
فالإسلام في جميع تشريعاته واضح لا لبس فيه ولا غموض .وواجب المسلم أن يقف عند حدود الحلال والحرام التي جاءت واضحة صريحة فلا يحول الحلال إلى حرام أو العكس .
وقوله صلى الله عليه وسلم: وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس يوضح أن من رحمة الله بعباده أن أوجد هذه المشتبهات، وهي أمور ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، لهذا لا يعرفها كثير من الناس، أما العلماء فيعرفونها ويبينون حكمها إما بنص أو قياس أو استصحاب فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نصاً ولا إجماعاً اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا ألحقه به صار حلالاً .
وأعظم ما يفسد القلب الجهل الذي يقع فيه الاعتقاد الفاسد والجرأة على الله بانتهاك محارمه، ويكفيه شرفاً أنه من بين أعضاء الجسم موضع نظر الرب قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
اقرأ أيضا:
أعمال نحسبها حلالاً لكنها كانت في عهد النبي من "الموبقات"التحريم.. رحمة بالإنسان
ولقد خلق الله سبحانه وتعالى فطرة الإنسان وجعلها تحفزه على كل ما يصلح شأنه في معاشه ومعاده فقد زوده خالقه بالعقل يميز به بين الخير والشر وقدم له الدليل الذي يقيمه على الطريق السوي ويجنبه مزالق الهوى وكيد الشيطان، وفي هذا يقول الله تعالى : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم .
ولم يحرم الله سبحانه وتعالى على الإنسان شيئاً إلا رحمة به وحماية له من أضرار المحرمات، فالتحريم في الإسلام لا يأتي من باب التضييق والحرمان، ولكن التحريم يتبع الخبث والضرر . . فما كان خالص الضرر فهو حرام، وما كان خالص النفع فهو حلال، وما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام، وما كان نفعه أكبر فهو حلال، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في شأن الخمر والميسر: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" .
فينبغي على المسلم أن يسأل عن الحلال والحرام وأن يحتاط لدينه فيتوقف عن هذه الأمور، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه . أي أن من حذر الشبهات وتوقى الاقتراب من مواطنها فقد طلب البراءة وحصل عليها، فحافظ على دينه من النقص، وعلى عرضه من الطعن فيه، وبهذا يفهم أن من اقترب من هذه الأمور يتعرض للطعن فيه، فعلى المسلم أن يحافظ على أمور دينه ومروءته .