وصل الإمام مالك بن انس ذروته في العلم، وصار أوحد زمانه في خلافة هارون الرشيد، حيث كانت تضرب له أكباد الإبل من الآفاق، لأجل الأخذ من علمه.
لقاؤه بالرشيد:
لما حج هارون الرشيد دخل المدينة فقيل له : قد صنف مالك بن أنس كتابا في الشرائع والآثار، فأنفذ إليه يستحضر الكتاب.
فقال مالك: هذا كتاب قد جمعت فيه السنن والآثار ثم يجبرني حمله إليه، لا فعلت ذلك.
فقيل له: لا نأمنه عليك. قال: فإذا أذل نفسي ولا أذل علمي، فقام إليه، فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العلم يؤتى ولا يأتي" ، ونزل عليه جبريل وعنده ابن أم مكتوم، بقوله تعالى: " لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، فرأى الكآبة في ابن أم مكتوم، وعرج ثم هبط في أسرع من طرفة عين بقوله تعالى: "غَيْرُ أُولِي الضَّرَر" ، فهذا جبريل قطع هذه المسافة لهذا الحرف، وأنت تجبرني أن أحمل كتابا جمعت فيه سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار؟!
اقرأ أيضا:
بطولة منقطع النظير.. وصية الخنساء لأبنائها في القادسيةحوار ساخن:
فقال: لا يا أبا عبد الله، بل نأتيك في بيتك فنسمعه منك.
وأمر أن تسرج الدواب فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع".
قال مالك : أفتؤثر ظهور الدواب على أجنحة الملائكة؟! فقال: لا يا أبا عبد الله بل نمشي معك مشيا، وقام فسايره إلى داره، وجلس على السرير.
وقال: هات يا أبا عبد الله. فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العالم إذا اختص بعلمه الخاص دون العام، لم ينتفع بعلمه الخاص ولا العام".
وتابع ملك في حواره: فتأذن بإقامة النداء بحضور الناس لسماعه معك، فأمر بإقامة النداء من أحب أن يستمع كتاب مالك ابن أنس مع أمير المؤمنين فليحضر.
فلما حضر الناس قال: هات يا أبا عبد الله. فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تواضع للعلم رفعه الله" وإني أشتهي أن تستوي مع الناس.
تسمية الموطأ:
فنزل عن السرير واستوى معهم ثم قرأ الكتاب عليهم، فلما فرغ قال: إني أعلق هذا الكتاب على أستار الكعبة، وأنادي من حاد عنه جلدته جلد المفتري.
فقال: يا أمير المؤمنين إني قد قلت فيه برأيي واجتهدت، ولا أبريء نفسي من الخطأ والغلط، فدع الناس واجتهادهم.
فقال: بماذا سميته؟ قال: بل أنت أولى به.
فقال: أسميه بفعل أمير المؤمنين وتوطيته للخلق، هو كتاب الموطأ توطأت فيه للعلم والرعايا.