هل النوافل تصلى جهرًا أم سرًا؟ ومن أسر بالقراءة في أول صلاته، ثم دخل معه شخص، فهل يكمل سراً أو يجهر؟
الجواب:
تؤكد لجنة الفتوى بــ "إسلام ويب" أن مسألة الجهر والسر في النوافل فصّل حكمها الإمام النووي في المجموع بقوله: أما
صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف. وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف، وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة: يجهر فيها. وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب: يتوسط بين الجهر والإسرار. وأما السنن الراتبة مع الفرائض فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا. ونقل القاضي عياض في شرح مسلم عن بعض السلف الجهر في سنة الصبح، وعن الجمهور الإسرار كمذهبنا.
وهناك تفصيل رائع ذكره العلماء لمسألة الإسرار والجهر في صلاة النافلة كالآتي:
- أما ما يتعلق بالمتنفل ليلا إذا ائتم به شخص هل يجهر بالقراءة أم يُسِر؟ فالأمر في ذلك واسع، على اعتبار أن حكمه في حالته هذه كحكمه لو كان منفردًا، فلو جهر بقراءته في نوافل الليل فلا حرج، بل هو أولى إن كان لإسماع من ائتم به، ولو أسر فلا حرج، خاصة إن كان في المسجد من يخشى أن يشوش عليه الجهر، قال ابن قدامة.
الجهر بالقراءة في الصلاة، سنة في حق الإمام:
- أما مسألة الجهر بالقراءة في الصلاة، فسنة في حق الإمام، وأما المنفرد، فمخير بين الجهر والإسرار.
قال ابن قدامه رحمه الله في بيان حكم الجهر والإسرار في نافلة الليل:
(وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة، أو كان بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى، وإن لم يكن هذا ولا هذا فليفعل ما شاء. )
" وهذا الجهر مشروع للإمام, ولا يشرع للمأموم بغير اختلاف، وذلك لأن المأموم مأمور بالإنصات للإمام والاستماع له, بل قد منع من القراءة لأجل ذلك, وأما المنفرد، فظاهر كلام أحمد: أنه مخير، وكذلك من فاته بعض الصلاة مع الإمام فقام ليقضيه . قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: رجل فاتته ركعة مع الإمام من المغرب أو العشاء, فقام ليقضي, أيجهر أو يخافت ؟ قال: إن شاء جهر, وإن شاء خافت . ثم قال: إنما الجهر للجماعة, قلت له: وكذلك إذا صلى وحده المغرب والعشاء, إن شاء جهر, وإن شاء لم يجهر ؟ قال: نعم, إنما الجهر للجماعة ".
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً، فيما يشرع فيه الجهر، لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهراً أو سرّاً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرّاً أو جهراً: فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة .. ولو تعمد الإنسان، وهو إمام، ألا يجهر ؛ فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة .. أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية: فإنه يخيَّر بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين ".
- فإذا دخل معك شخص، وأنت تصلي وحدك، فالسنة في هذه الحال أن تجهر بالقراءة ؛ لكونك صرت إماماً من حين دخوله معك، ولا يلزمك في هذه الحال إعادة الفاتحة من أولها، بل تكمل قراءتها كما لو كنت وحدك.
فلو لم تجهر حتى أكملت الفاتحة، أو حتى أكملت الركعة، أو لم تجهر في صلاتك هذه مطلقا: فلا حرج عليك، والصلاة صحيحة.
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين إسراره لاعتبار آخر، أنه يبقى على إسراره لأن محافظته على ما يشرع في صلاته أولى من محافظته على ما يشرع في صلاة غيره، والجهر والإسرار ليس بالأمر الواجب حتى نقول إنه يجب أن يجهر أو يجب أن يسر، فإن أسر فلا بأس، وإن جهر فلا بأس.
- وقال في "كشاف القناع": "وكره لكل مصل جهر بقراءة نهارا في نفل غير كسوف, واستسقاء، وفي قراءة
صلاة نفل ليلا يراعي المصلحة فإن كان بحضرته، أو قريبا منه، من يتأذى بجهره، أسر، وإن كان من ينتفع بجهره، جهر.
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شُرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلا ولم يتأذ بجهره أحد . فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوّم شرع له خفض الصوت.
أما في
الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر, فإن السنة فيها الإسرار، ويشرع للإمام أن يجهر بعض الأحيان ببعض الآيات لقول أبي قتادة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعنا الآية أحياناً, يعني: في صلاة الظهر والعصر، والله ولي التوفيق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز".