ركز القرآن الكريم في شرح القيم الإيمانية ومدلولاتها، والأساس الذي تقوم عليه، على قضية الصراع بين الحق والباطل، وكشف القرآن أن هذا الصراع سنة أقام الله عليها هذه الحياة، وأن الحياة لا يمكن أن يسودها الخير المطلق، بحيث تخلو من الشر، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث لا يكون فيها قائم بالحق، بل أن الله سبحانه وتعالى سمى سورة كاملة في القرآن بالفرقان.
وأكدت عشرات الآيات القرآنية هذا المعنى، مثل قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل} (الرعد:17)، وقوله سبحانه: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق} (الإسراء:56)، وقوله عز وجل: {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} (محمد:3)
وهذه السنة التي أقام الله عليها الحياة، تندرج في المحصلة في سنة الابتلاء التي خلق الله العباد لأجلها، {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (الملك:2)، فمن وقف في جانب الحق مدافعاً عنه ومنافحاً، يكون قد عمل عملاً حسناً، وهدي إلى سواء السبيل، ومن وقف في جانب الباطل، ونافح عنه ودافع، يكون قد عمل عملاً سيئاً، وضل سواء السبيل.
كما يخبرنا القرآن حول هذه الحقيقة في آيات كثيرة، تبين أن النصر دوماً في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل، وجاء ذلك في قوله سبحانه: {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون} (الأعراف:118)، وقوله عز وجل: {ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} (الأنفال:8)، وقوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (الإسراء:81)، وقوله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} (الأنبياء:18)، وقوله سبحانه: {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ:49)، وقوله تعالى: {ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته} (الشورى:24).
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟صراع يحسمه الأنبل
ولعل أكثر مايشق على النفس هو هذا الصراع الذي دائما ما يكشف المعدن الحقيقي للإنسان، وقد ورد هذا من خلال قصة فتنة خلق القرآن، حينما تعرض الإمام أحمد بن حنبل للتعذيب من أجل الثبات على موقفه، في مقابلة عشرات العلماء الذين هادنوا في هذه الفتنة.
وكشفت قصة الإمام بن حنبل أن الإنسان لا يحتاج إلى علم وشهرة كي يحسم هذا الصراع بقدر ما يحتاج إلى نبل وتقوى في قلبه.
وتبدأ القصة حينما جلس الإمام أحمد بن حنبل في سجنه مع بعض المجرمين، وكان من بينهم لص شهير همس في أذن بن حنبل قائلا: "إنهم يعذبونك أليس كذلك?،ولكن لعلمك يا مولانا كثيرًا ما عذبوني لأعترف بما سرقته ولكنني كنت رجلا ولم أعترف أبدًا، كنت أحتمل الضرب صابرًا !".
"أفعلُ هذا وأنا على الباطل !!؟فكيف وأنت علی الحق !!!؟إياك يا مولانا أن تضعف !يجب ألا يكون رجال الحق أقل احتمالاً من رجال الباطل".
تأثر بن حنبل بماقاله الله رغم صلابة موقفه في الأساس واستمر ابن حنبل يقاوم، وكلما ضعف تذكر كلمات اللص .
وظل الإمام سنوات في محنته ثابتًا كالجبل وانهزمت الدولة كلها أمام رجل واحد، وخمدت الفتنة التي دخل بسببها السجن في الخلافة العباسية وتوقفت إراقة الدماء.. وافرج عن ابن حنبل.
خرج بن حنبل فمكث فترة في بيته يعالج من جراحه،ثم تذكر صاحبه في السجن، فسأل عنه فقيل له إنه مات ..
فذهب يزور قبره ودعا له .ثم شاهده في المنام .. فرآه في الجنة فسأله:
ما الذي أدخلك الجنة? قال له: تاب الله عليَّ بعد أن نصحتك أن تحتمل وتصبر على العذاب في سبيل إعلاء كلمة الحق !!.
اقرأ أيضا:
الأمانة دليل إيمانك.. هذه بعض صورها