لو سألت أي موظف أو أي عامل يعمل تحت يد أي مدير ما، ماذا لو قال لك مديرك هذا أي شيء، هل تصدقه؟، لقال لك من فوره، نعم وبكل تأكيد أصدقه، ولو سألته لم كل هذه الثقة المطلقة، لقال لك هو مديري ويعلم أكثر مني.. ربما هو لم يجب بالحقيقة، فهو يصدقه لأنه أعلى منه مرتبة لا أكثر من ذلك.. ولو تبدل هذا المدير لقال إنه لم يكن كفء، وأن من جاء غيره لهو الأكفأ، فهكذا هو حال الناس الآن مع الأسف.


لكن كيف بالله عز وجل يقول لنا ويعد في قرآن سيظل يتلى إلى أن تقوم الساعة، ومع ذلك ترى كثير من الناس، ربما لا يشككون بألسنتهم، لكن قلوبهم تغفل أو على الأقل أبعد ما يكون عن التنفيذ.. خصوصًا إذا كان الأمر مرتبط بالرزق.

اظهار أخبار متعلقة

صدق الله وكذب كل الناس

بالتأكيد يصدق الله عز وجل في كل ما قاله ويقوله، ويكذب الناس لأن الناس بطبعها تميل إلى التهويل أحيانا والتقليل أحيانًا أخرى، بينما الله عز وجل لا يقول إلا الحق، فتراه سبحانه وتعالى يعد بل ويقسم بذاته العليا، وهو الذي يقسم في أمور عديدة بمخلوقاته، مثل (والتين والزيتون.. طه.. يس.. والسماء والطارق)، وهكذا.. بينما تراه في آية الرزق، يقسم بذاته العليا لأنه يدرك طبيعة النفس البشرية التي تخشى الرزق دومًا.. فيقول سبحانه: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ» (الذاريات:22-23).. يروى أنه سمعها إعرابي فاهتز وقال: «مَنْ أغضب الجليل حتى ألجأه أن يقسم».

 يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي: «حكى الأصمعي أنه قابل يوماً أعرابياً، فسأله الأعرابي: من أين؟ فقال: من أصمع، قال: من أين أتيتَ؟ قال: من المسجد، قال: ماذا تصعنون فيه؟ قال: نقرأ قرآن الله، قال: فاقرأ عليَّ.. فقرأتُ عليه سورة الذاريات حتى وصلتُ إلى قوله تعالى: (وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) [الذاريات: 22].. فأتى بأدوات الصيد التي كانت معه فكسرها، وقال: ما دام رزقي في السماء والله لا يكذب.. قال الأصمعي: فخرجتُ مع هارون الرشيد للحد، فلقيتُ هذا الأعرابي لكنه كان هذه المرة نحيفاً مُصفرَّ اللون فقلتُ له: ألستَ فلاناً؟ قال: ألستَ الأصمعي؟ قلت: نعم ما الذي صيَّرك إلى هذا؟.. فقال: اقرأ عليَّ ما قرأته سابقاً فقرأتُ عليه إلى قوله تعالى ( فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) فتعجب وقال: ومَنْ أغضب الجليل حتى ألجأه أنْ يقسم. وظلَّ يرددها، فما انتهى من الثالثة حتى فاضتْ روحه معها.. نعم صدق الله وكذب كل الناس.

ماذا لو كنت فقيرًا؟

حتى لو كنت فقيرًا، عزيزي المسلم، فهكذا قسم الله رزقك، فارضى بما قسمه لك، تكن أغنى الناس، ولا تجزع فلا ترضى أبدًا، فلن تحصل إلا على ما كتبه الله لك، ولن تعيش إلا في كد وتعب طوال عمرك.. إذن الأمر كله يعود إلى الثقة في الله عز وجل، فقط تثق يأتيك الخير الوفير، وإن لم يأت فهو ما قسمه الله لك، فارضى واستغفر، وعد إلى الله عز وجل، فعن حبة وسواء ابني خالد رضي الله عنه أنهما أتيا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يعمل عملا يبني بناء ، فلما فرغ دعانا فقال : «لا تنافسا في الرزق ما تهزهزت رءوسكما ، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ، ثم يعطيه الله ويرزقه».