الجميع يسأل عن سر عظمة المسلمين الأولين وتقدمهم.. ترى كثير من الناس يسألون كيف كانوا يقودون العالم علمًا واقتصادً واجتماعًا.. وفي شتى المجالات.. فهذا ابن الهيثم مؤسس علم البصريات والرياضيات، وهذا ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وهذا ابن سينا أبرع من اكتشف خبايا الطب، وهذا وهذا، وغيرهم الكثير والكثير.. فكيف بنا الآن ننتظر العالم الغربي، يكشف أي علم جديد، أو دواء جديد كي نسير عليه، ما الذي حل بنا.. لكي تصل بنا الأمور إلى هذه الدرجة من التأخر والتبعية، وقد كنا نحن نسير وخلفنا العالم أجمع؟!.. السر كما اجتمع عليه علماء الأمة الآن وسابقًا، هو في درجة القرب من الله عز وجل، فأينما كنت قريبًا من الله منّ عليك بعلوم الدنيا، وسيدك العالم بأثره، بينما من ابتعد خسر وخسر.. وصل إلى ما وصلنا إليه نحن الآن.
كيف القرب إلى الله؟
لكن كيف يكون القرب إلى الله عز وجل، هو الوسيلة الوحيدة، إلى التقدم والعلم، يقول العلماء: إن أهل السابقين في الإسلام، إنما اقتربوا من كلام الله فحفظوه، وعملوا بما فيه، فهموا أن أوامره تقتضي العلم، فتعلموا، وفهموا أن القرآن الكريم هو كتاب إلهي، وبالتالي فيه كل ما يريدون الخوض فيه، ففهموه وتعلموه، ثم بحثوا فيما يقرب هذه المفاهيم، فكانت النتيجة الوصول إلى كل العلوم، وليس علمًا واحدًا، فقد علم هؤلاء أن القرآن الكريم لاشك هو سبيل القرب الحقيقي من الله تعالى، وبالتالي سبيل إلى كل النجاحات في شتى مناحي الحياة، يقول سيدنا الخباب بن اﻷرت رضي الله عنه: «تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه».. وفي ذلك يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: «الناس رجلان رجل نام في الظلام ورجل استيقظ في الظلام»، والفرق واضح، أن هؤلاء المسلمون الأوائل إنما فهموا المقصد من القرآن فكانت النتيجة التقدم في كل العلوم، بينما نحن ابتعدنا فكانت النتيجة خسارة كل العلوم.
اقرأ أيضا:
غض البصر طريقك لصفاء الذهن وراحة القلب ورضا الرب .. تعرف على فوائدهنور الحياة
القرآن هو النور الإلهي الذي أنزله الله عز وجل على قلب نبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم، كي ينير الطريق للبشرية في شتى مناحي الحياة، وأيضًا للوصول إلى أفضل النهايات في الآخرة، فمن اتبعه وصل وحقق كل شيء مهما كان، قال تعالى: «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الأعراف: 157)، فهو ذلك النور الذي يجعله الله تعالى سببًا لإحياء موات القلوب، وإحياء العلم وسببًا للتقدم، كما قال سبحانه: «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا» (الأنعام: 122). إنه ذلكم النور الذي رفع الله به قيمة رعاة الغنم فقادوا به الأُمم، حين اهتدوا بهدايته، فهو الكتاب الهادي إلى التي هي أقوم، هذا إذا صار كتاب حياة وأحياء، لا كتاب موت وأموات.