محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما هوأ بو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، وقد أطلقت كتب السير عليه اسم محمد بن الحنفية تمييزاً عن أخويه الحسن والحسين، أخوته من الأب .
وبدأت قصة محمد بن علي ابن أبي طالب عندما أخبر سيدنا علي الرسول صلّي الله عليه وسلم أ بأنه إذا ما رزق بولد بعد وفاته ، أن يسميه محمدًا ، فأذن له الرسول الكريم بأن يسمى باسمه ويكنى بكنيته ، وهكذا أصبح اسم المولود محمد بن علي بن أبي طالب ، والذي عُرف فيما بعد باسم محمد بن الحنفية .
وقد نشأمحمد بن علي بن ابي طالب "محمد ابن الحنفية على يد أبيه عليّ رضي الله عنه ، فورث منه صفات كثيرة عرف بها بين العرب ، فكان شجاعًا ، قويًا ، فصيحًا ، ذكيًا ، وبليغًا ، كان علي رضي الله عنه يرميه بالمهالك ، ويلقيه في متون الحروب ، فقد واجه محمدًا الكثير من الأهوال في حياته ، ولكن هذه الأهوال زادته خبرة حكمة وتعقل ، سألوه ذات مرة : لما يلقي بك أباك في المهالك ، ويضن بالحسن والحسين ؟ فيرد بفصاحة : الحسن والحسين عيناه ، وأنا يداه فهو يتقي عينيه بيديه
ومن أشهر الأحداث التي وقعت في حياة محمد بن الحنفية أنه وقعت خصومة بينه وبين الحسن بن علي رضي الله عنهما ، ففضله على نفسه ، وبعث إليه برسالة يطلب منها أن يصالحه ، فكتب إليه قائلًا : فيا حسن أنت خير مني ، أنت سيد شباب أهل الجنة ، وأمك خير من أمي ، فأنت ابن فاطمة بنت محمد ، وأنا ابن امرأة من بني حنيفة ، وجدك محمد خاتم الأنبياء صلّ الله عليه وسلم ، وجدي جعفر بن قيس ، فابعث إلي لتصالحني لتكون أنت الأفضل في كل شيء ، وبمجرد وصول الخطاب إلى الحسن بعث إليه وسامحه.
كان لابن الحنفية مناقب عديدة إذ كان زاهدًا وله من الشرف ماله ، ومع ذلك كأن أبعد الناس أن يطلب الإمارة ، أراد منه عبد الله بن الزبير أن يبايعه فأبى ، وطلب منه عبد الملك بن مروان أن يبايعه فأبى ، لأنه أراد أن يجمع كلمة المسلمين لأنه رأي ما حدث في صفين ، بين ما حدث وأبيه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، فقد رأى رجالًا شوامخ أسود كواسر يتقاتلون وكان يقول عن هذه اللحظة : لما رأيت القتال مستعرًا ، والله الذي لا إله إلا هو خشيت أن يفنى الجيشان ، وإذا بصوت من خلفي ينادي ، يا معشر المسلمين ، إذا فنيتم من للأهل ، من للنساء ، ومن للصبيان ، ومن للمشركين ، أيها المسلمون أفيقوا .
وليس أدل علي مناقب ابن الحنفية -الذي يعد تابعيا جليلا كونه لم يعاصر النبي وولد بعد وفاه صلي الله عليه وسلم - من حرصه علي لم شمل المسلمين وتوحيد كلمته وكان يؤثر ذلك علي ما سواه وهو ما ظهر بشكل واضح عندما استتبت الأمور لسيدنا معاوية بن أبي سفيان بايعه بصدر رحب ، وعاش في أيام معاوية راسخًا هادئًا ، وعلم منه معاوية ذلك ، فكان يكرمه أشد الإكرام ، ويعطيه حقه من ذلك .
كان محمد بن علي بن أبي طالب يحظي بمكانة عالية عند كبار الصحابة وهو ما تعكسه هذه القصة حيث كان الملوك قديمًا تهادي بعضها بعضًا ، فكتب ملك الروم إلى معاوية ، يا أمير المؤمنين ، إن الملوك يهادي بعضها بعضًا ، فهل تسمح لي ، فرضي معاوية ، فأراد ملك الروم أن يحرج المسلمين ، فبعث له برجلين ، أحدهما بلغ من الطول مبلغًا كأنه بناء شامخ ، والآخر له من القوة والمكانة والصلابة ما للوحوش الكاسرة ، وأخبره : هل عندكم يا معشر المسلمين مثل هذا؟
وهنا أرسل سيدنا معاوية رضي الله عنه إلى سيدنا عمرو بن العاص : وقال له : أنظر إلى هذين الرجلين ، أما الطويل فعندي من هو أطول منه وهو قيس بن سعد بن عبادة وأما القوي فرجلان وأظنهما بعيد عني ، الأول عبد الله بن الزبير والثاني محمد بن الحنفية رضي الله عنهما.
وقد وجه معاوية تساؤلا إلي عمرو بن العاص رضي الله عنهما قائلًا : ما أظن محمدا يمانع أن يكون معنا في أي شيء فيه رفعة الإسلام ، وأرسل معاوية لقيس بن سعد بن عبادة ، ومحمد بن الحنفية ، جاء اللقاء ، فإذا بقيس بن سعد يخلع سراويله ويعطيها للرجل الطويل ، فيلبسها فتصل إلى صدره ، فيضحك المسلمون ،
أما الرجل القوي ، فيأتيه محمد بن الحنفية ، ويقول له يا هذا : اجلس أنت وأنا واقف وإما أن أقيمك وإما أن تقعدني ، وأن أردت أن اجلس أنا فعلت ، قال بل أجلس أنا ، فجلس الرجل ووقف محمد فأمسك محمد بن الحنفية بيده فأقامه ، فغضب الرومي وقال ، بل اجلس أنت وأقوم أنا ، فجلس محمد ، وأمسك بيد الرجل وجذبه ، حتى كاد أن يخلع كتفه ، وانتصر المسلمون.
مناقب محمد ابن الحنفية لم تتوقف عند االغيرة علي الدين بل امتدت إلي العبقرية العسكرية حيث كان قائداً كبيراً من قادة المعارك التي خاضها علي بن أبي طالب في الجمل وصفين حيث حمل الراية وأبلى بلاءً حسناً وكان أبوه يعتمد عليه كثيراً في هذه الحروب رغم صغر سنه. لذا ساعدت هذه المرحلة كثيراً على صقل شخصيته.
وقد ظهرت شجاعة محمّد ابن الحنفية بشكل واضح ذات مرّة: لِمَ يغرر بك أبوك في الحرب، ولا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال: إنّهما عيناه، وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه.
محمد بن الحنفية رضي الله عنه لقي ربه في محرّم 81 هـ، واختلف المؤرّخون في مكان دفنه، فمنهم مَن قال: دُفن بين مكة والمدينة، ومنهم مَن قال: دُفن في الطائف، ومنهم مَن قال: دُفن في مقبرة البقيع.