مفهوم الجهاد في الإسلام مفهوم واضح لا يتوقف عن الجهاد بالنفس والزود عنه بالدماء ولكن هناك جهاد أعلي مقاما وأرفع منزلة هو جهاد النفس حيث يتفوق جهاد النفس ومقاومة نزواتها ولجم هواه علي الجهاد بالنفس في الساحات والميادين وهو ما ظهر بشكل واضح في الآية الكريمة في سورة العنكبوت :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ". إن النفس البشرية تحب الخلود إلى الراحة والاسترخاء"

فلا يخفي علي أحد إن النفس البشرية تحب الخلود إلى الراحة والاسترخاء، والإنسان أيضاً في صراعٍ دائمٍ مع نفسه، مرة تنتصر عليه، ومرة ينتصر عليها، ويبقى هذا الصراع إلى أن يأتي أجله، لاسيما أن هناك أسسا تدعم الإنسان لمجاهدة نفسه  منها أن يكون القلب حياً، صافياً، وجلاً، كما شبه الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأروع الصفات، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الأنفال " "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"،

هذه  أسس مجاهدة النفس

ومن أسس مجاهدة النفس كذلك أن  يكون عقل الإنسان المسلم واعياً مستبصراً، يقرأ في شتى العلوم التي بها يتقرب من الله، ويدرك عظمته التي لا تصفها الكلمات، فالعبد المسلم يستطيع أن يروض نفسه، وألا يخلد إلى هواه، فهو قادر على على أن يتغلب على الشيطان، وعلى ملذات الدنيا، إذا استعان بالله وحده، وأخلص نيته إليه، فينصره الله على كل من عاداه، وبذلك يستطيع مواصلة طريقه، وينجح في الدارين الأولى والآخرة.

الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف  شدد علي ضرورة تمرين النفس علي  مقاومة  ومجاهدة النفس باعتبارها  بداية التربية الحقيقية.. أي شيء ترى أن نفسك تريدها خالفها فيه.. 

اظهار أخبار متعلقة

واستدل جمعة بما جاء في الأثر  أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ذكر له  أحد اليهود في المدينة- قبل أن يُجليهم عن الجزيرة-يُخبر من وراء الكثيف وكأنه لطيف، يعني: يعرف ما وراء الحائط, فأخذ سيدنا عمر - رضي الله عنه - السيف وذهب إليه فلما ذهب وطرق الباب, قال اليهودي: علام جئتني تقتلني يا عمر؟ -من وراء الباب عرف أنه عمر وعرف أيضا أنه جاء يقتله- قال له: افتح ولك الأمان.

فلما فتح اليهود الباب لعمر وجه امير المؤمنين تسالا له  : كيف وصلت إلى هذا ؟! قال : ما عُرِض عليّ شيء قط إلا عرضته على نفسي فإن اشتهته أبيته, وإن أبته فعلته، قال له : هذا الذي وصلت إليه من مقاومة نفسك.

مجاهدةالنفس وخوارق الأعمال

فالرجل بحسب جمعة عندما قاوم نفسه منحه الله خوارق العادات وليس الكرامات, فالكرامات لا تطلق إلا على الأولياء والمؤمنين - خوارق العادات قد تكون لغير المسلمين فهي ليست دليلا علي شيء وإنما نعمة من نعم الله مثل الغنى, والبصر .. إلخ, ممن في الأديِرة أناس يطيرون في الهواء, وفي "التبت" ينظر إليك يقول لك فيما تفكر أو أين كنت بالأمس، هذه نعمة لكنه كفرها أو حَصّلَها كنعم الله كلها, لكنه لم يقم بشكرها, لأن أول الشكر الإيمان ،فقد يطير في الهواء ويمشي على الماء لكنه قد يكون كافرا أو عاصيا، لئلا تخدع بمثل هذه الأمور الخوارق؛

فهذه الخوارق بحسب جمعة ليست  دليلا على الولاية، ولا هو لب الدين، ولا هو أصل طريق الله، وإنما طريق الله: الذكر والفكر والتربية ، في أثناء هذا يمكن أن تطير في الهواء.. لا مانع فنحن نطير بالطيارة.. ماذا حدث؟! ويمكن أن تمشي على الماء برجليك.. وماذا يعني هذا؟ لا شيء.. فأنت تمشي بالسفينة.. فلا داعي لهذا الخبَل الذي يحدث في الدماغ..!

اظهار أخبار متعلقة

واستدل علي ذلك بما حدث مع المرسي أبو العباس  عندما سمع ضجة فقال: ما هذا ؟ قالوا: ضبطنا أحد العُبّاد يفعل الفاحشة، ومع امرأة متزوجة، فلما أردنا أن نمسك به، جرى فأخرج منديلا من جيبه وفرشه على الماء ومشي عليه بعيدا, قال :هذا رجل فاسق, قالوا : أفْهِمْنَا ما هذا ؟! قال: إن الكريم إذا وهب ما سلب .. ربنا عَرّفه كيف يمشي على الماء فلا يسلبها منه لأنه عصي وزنا وأصبح فاسقا؛ إذًا فالفاسق يصدر منه الخارقة , والكافر يصدُر منه الخارقة أشد من الفاسق .

ومن ثم والكلام مازال لعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فإن طريق الله ليس هذا, وإنما طريق الله : "الذكر والتربية والخلوة" أثناء هذا ممكن أن تطير في الهواء, تمشى على الماء, ولذلك قال أهل الله : لو رأيت الرجل يطير في الهواء أو يمشى على الماء فأعرِض أمره على الشرع فإن وافقه فهو علي جادة الطريق, ولكن ليس لأنه طار أو مشي ولكن لأنه وافق الشرع, وإن خالفه فهو شيطان, شيطان طيّره معه في الهواء, فيجب عليك أن تؤمن بالغيب في الشهود،

مجاهدةالنفس طريق النجاة

فسيدنا عمر قال له : أسلم فأنت رجل صالح, لو أسلمت ستكون في مرتبة عالية, ولذلك فإن ربنا - وهو يتكلم عن هؤلاء في القرآن- يقول: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } وهذا إنصاف، ولم يقل " كلهم " بل قال: "ومنهم" وهذا منهم, هذا يدل على أن القرآن من عند الله ؛ لأنه مُنصف إنصافا لا يرد على خاطر البشر..

اليهودي رد علي سيدنا عمر بالقول  : أعطني ثلاثة أيام أفكر, ثلاثة أيام ثم جاء وقال له: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, قال له : ماذا حدث ؟! قال له : عرضت الإسلام على نفسي فأبت إباءً شديدا فأسلمت!

اقرأ أيضا: