شهر شعبان من الأشهر التي لها مكانة وفضل فهو كالمقدمة لشهر رمضان وفيه حدث تغيير القبلة كما أنه بمثابة لختام الحسابي لشهور السنة لأن فيه ترفع الأعمال إلى الله تعالى فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
كيف أستقبل شعبان؟
وإذا كنا نأمل حسن استقبال شهر رمضان فلا شك ان هذا لا بد ا يكون بحسن استقبال هر شعبان والحرص فيه على الطاعة حتى ندرك رمضان ونحن على أفضل وضع وأحسن حال ويكون ذلك بتجديد النية والتصالح بين المتخاصمين وتجديد علاقتنا بالقرآن واعتياد صيام التطوع وبذل الصدقات والبعد عنا يضيع الوقت ويشغل الإنسان عن الطاعة.
من فضائل شهر شعبان:
ورد في فضائل شهر رمضان أشياء كثيرة منها ما ذكره ابن رجب في لطائف الفوائد حيث قال: فظهر بهذا أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه. وقد ظهر وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور، وقد ذكر منها النبي في حديث أسامة معنيين:
أحدهما: أنه شهر "يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان" وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس.
صيام شهر شعبان:
وأما صيام شعبان أو بعض منه فللعلماء فيه كلام كثير منه أن صيام يوم النصف منه غير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف، وورد ففي فضل ليلتها الحديث، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.
وأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
صيام آخر شعبان:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»
قال ابن رجب في لطائف المعارف: فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصوم بنية الرمضانية احتياطًا لرمضان فهذا منهي عنه.
والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور، ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم مطلقًا وهم طائفة من السلف، وحكي كراهته أيضًا عن أبي حنيفة والشافعي وفيه نظر.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر منهم الحسن وإن وافق صومًا كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا، وكذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضًا إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدئ الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان.