الوجع.. أمر من الصعوبة بمكان أن تحكيه لأحدهم، فكيف لك أن تحكي وجع ألم بك؟.. الأمر في غاية الصعوبة، فكل الذي (تفضفض) به لغيرك، لا يمكن أن يكون الوجع الحقيقي .. لكنه مجرد ( شوية كلام على الوش ).. مجرد عنوان لإحساسك !.. لكن الوجع الحقيقي يكون بداخلك، داخل أعماقك، أنت نفسك ربما لا تدري حجمه الحقيقي.. فهو لا يعلمه إلا الله عز وجل.. وبالتالي فهو لا يهدأ إلا بلطف عز وجل وفقط.
فكأن الله يرسل لك، من (يطبطب عليك ).. مثلا أن يشغلك بأمر ما يأخذ كل وقتك، أو يلهمك الهمة لأن تقترب منه سبحانه أكثر مما سبق، بل وتلح عليه في الدعاء والبكاء.. حتى في وقت الصدمة، وأنت حينها غير مستوعب ما يحدث.. فيها لطف .. فلا يكن أن تتحملها لو كنت في كامل إدراكك.. لكن ترى الله كأنه يمنحك بعض المسكنات حتى يزول الوجع تمامًا.
فضل النسيان
أن تعيش مع الوجع، ثم الوقت كأن الله يمنحك مسكنات تنسيك إياه شيئا فشيئا، حتى تصل لمرحلة ( النسيان )، لكن الوجع لا يمكن أن يمحو من حياتك، لكن لاشك تأثيره يقل مع الوقت.. لكننا لولا النسيان لكنا لم نتحرك من مكاننا، وستتوقف الحياة تمامًا.. لكن هنا أقدار وألطاف الله عز وجل.. وهنا الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، كان يقول: «مينفعش تفكر في المصيبة قبل وقوعها لأنك بتفكر فيها من غير ما يكون اللطف نزل .. فصعب أوي نتحمل من غير لطف الله ».. لذا علينا أن نعترف بأن الوجع إنما هو علاقة خاصة جداً بينك وبين الله عز وجل، تأكيدًا لقوله تعالى: «وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ».
اقرأ أيضا:
كيف تخلق في نفسك الرغبة في النجاح؟ نماذج محمدية تدلك على التفوقالاطمئنان بلطف الله
إذن علينا أن نطمئن بلطف الله عز وجل، ولطفه سبحانه يدور على معنيين عظيمين يحتاجهما المؤمن، وهما: أن علمه سبحانه دقَّ ولطف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفايا، تأكيدًا لقوله تعالى: «ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (الأنعام: 102-103)، والمعنى الثاني: أنه يوصل لعباده المؤمنين مصالحهم، ويدفع عنهم ما أهمهم من أخطارهم بطرق لا يشعرون بها ولا يتوقعونها. وكم في هذين المعنيين من طمأنينة لقلوب المؤمنين، وربط عليها، وتثبيت لها، ولعل أبرز مثال على ذلك نبي الله يوسف عليه السلام، وقع في البئر، ثم بيع في مصر، وغاب عن والديه ربما 40 عامًا كما في بعض الروايات، لكن كل الذي وقع له كان بأقدار الله ولطفه سبحانه به، قال تعالى: «إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » (يوسف: 10).