"غاضبون، ثائرون، مزعجون، خارجون على القواعد"، هكذا يرى كثيرون أبناء هذه المرحلة، ومن المدهش أن تشوش الفهم هذا عن المراهقة لا يقتصر على الراشدين؛ ولكنه موجود أيضاً لدى المراهقين كذلك عن أنفسهم.
وفي هذا السن يعيش المراهق في حالة من الفوران النفسي، والبيولوچي، والجسدي، وهو ما يزيد من صعوبة الأمر، وصدق القائل: "الصِّبا مسٌّ من الجنون"، وهذه المقولة قد تكون صادمة إلى حد كبير؛ لكنها ستفتح لنا فهم هذه المرحلة وأهم سماتها.
* ما المراهقة؟
المراهقة هي مرحلة الانتقال من الاعتماد الكامل نفسيّاً ووظيفيّاً على الأسرة وحتى تحقيق درجة مقبولة من الاعتماد على النفس والاستقلالية، لكن اتُفِق على أنها تبدأ غالباً في النصف الأول من العقد الثاني من العمر، وتستمر حتى الحادية والعشرين.
* مراحل المراهقة
يمكن تقسيم مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل داخلية وهي:
1. المراهقة الأولية.
2. المراهقة الوسطى.
3. ما قبل الرشد.
وتتميز المراهقة طبقاً لإريك اريكسون بعدة أزمات نفسية، تبدأ بتحدّي الهوية والانتماء، وتنتهي بتحدي القبول وقابليته لتكوين علاقة عاطفية.
* التطور الخلوي للدماغ
يصل الدماغ إلى قرابة حجمه الطبيعي في الطفولة، لكن ما أقصده هنا هو أهم من مجرد حجم الدماغ تشريحيّاً، ولكن نسبة المادة الرمادية وكذلك الروابط والعزل العصبي والتي تضع الدماغ قيد العمل؛ فيمر الدماغ بثلاث مراحل متمايزة، وهي:
1. مرحلة الانقسام والتكاثر.
2. مرحلة التشذيب أو التشكيل.
3. مرحلة التكامل.
ففي المرحلة الأولى ينمو دماغ الفرد في الحجم والكم، ويكون في نهاية هذه المرحلة أشبه بقطعة الرخام التي سينحت فيها الفنان قطعته، ثم تأتي مرحلة التشذيب وفيها يتم قص ووصل الروابط الدماغية، فبعض الدوائر يتم تكثيفها وتعزيزها، وتضمر دوائر أخرى أو يتم قصّها بالكلية.
والعمليات التي تتم في مرحلة التشذيب والتهذيب هي عمليات بالغة الخطورة، ويدخل فيها عدة عوامل أهمها البعد الوراثي ثم التفاعلات البيئية، وأعني بالتفاعلات البيئية الشعار القائل: "استعمله أو ستفقده" وهو واقع حرفي، حيث يتم تشذيب الروابط غير المستعملة، ولذلك ينبغي استعمال قدرات الدماغ في أكثر من نشاط اجتماعي ورياضي وذهني وفني في مرحلة المراهقة بشكل خاص، لأن كل هذه المناطق ممثلة بدوائر كهربية دماغية.
وتأتي في النهاية مرحلة العزل العصبي حيث تحاط الألياف العصبية بمادة المايلين Myelination، وهي الخطوة الفاصلة في سرعة التوصيل والنقل والترابط بين الألياف العصبية.
* نظرة من المنظور العصبي
يتطور الدماغ من الخلف للأمام، فتنمو المراكز البصرية والسمعية ثم المراكز الانفعالية والشعورية (اللوزة والحصين)، وآخر ما يتم تطويره هو الدماغ الإرادي العقلاني (القشرة المخية).
وقد يتساءل بعضهم ما أهمية ذكر هذه المعلومات لغير المتخصصين؟
والحقيقة أن هذه المعلومات توضح بجلاء أن الصفات التي يتم ذم المراهقين بسببها - مثل الاندفاعية وسرعة الانفعال - ترجع إلى أن تطور اللوزة [الجهاز الانفعالي] يسبق بعدة خطوات تطور قشرة الدماغ [الجهاز التحليلي العقلاني]. كما أن تطور الدماغ وظيفيّاً لا يتماشى مع الوظائف المتسارعة التي انفتحت على المراهق مع البلوغ، بالإضافة إلى تأخر مرحلة العزل العصبي نسبياً، وينتج عن كل ذلك بعض التأخر في الاستجابة أحياناً مما يؤدي إلى اتهامهم بالبلادة والكسل.
* * نظرة من المنظور الوظيفي
تتزامن مرحلة المراهقة مع مرحلة البلوغ، أي مرحلة فوران هرمونات النمو والهرمونات الجنسية؛ فعلى سبيل المثال يتم ضخ كمية تستوستيرون [هرمون الذكورة] في الفتيان بمعدل خمسين ضعفاً عن نسبته في الطفولة، وما يتبع ذلك من تفاعلات وظيفية تظهر في تغيرات جسدية وسلوكية، فيجد المراهق نفسه في حالة من الإرباك، فعظام الفك لا تتراكب وقد يصاحبها آلام لدى بعضهم، وتظهر البثور ورائحة العرق، وفيها يتمايز جسد وطبقة صوت الفتيات عن الفتيان. كل ذلك من شأنه أن يترك المراهق في حالة من التشوش والارتباك، خاصّة في غياب التربية النفسية والجنسية، وهذه الهرمونات ترمي بظلالها سلوكياً في ميل للعنف أو التصادم لدى الفتيان.
كذلك لا يتمكن المراهقون من النوم في الموعد المعتاد ببساطة لأنهم يفرزون هرمون الميلاتونين بعد منتصف الليل، أي بعد موعده لدى الراشدين بمتوسط ساعتين، فهم لا يتعمدون مخالفة تنبيهات الأسرة، بل ساعتهم البيولوچية متأخرة عن مرحلة الطفولة والرشد، فيمكن إخلاء منطقة نومهم من أي مثيرات أو شواغل لمحاولة التوفيق وليس الضبط.
* نظرة من المنظور النفسي
يجد المراهق نفسه أمام أدلة حسيّة أنه لم يعد طفلاً كما كان، لكنه أيضاً لا يجد نفسه واحداً من الكبار، فيصارع بين احتياجين رئيسين وهما الاحتياج للاستقلال والاحتياج للانتماء، والهدف الكامل هنا يمكن توصيفه بالقدرة على الاختلاط بلا انصهار، الدخول في دائرة الآخر مع الاحتفاظ بالأنا، وتبعاً لإريك إريكسون يمكن وضع مرحلتين رئيستين من النمو النفسي في فترة المراهقة، وهما:
- تحدي الهوية مقابل اختلاط الأدوار.
- الانتماء مقابل العزلة.
ففي بدايتها يحاول تحقيق الاستقلالية النفسية واختبار الحدود والسلطة، واتخاذ قرارات بعيداً عن دائرة الطفولة وبيت التنشئة، ثم يبدأ في مرحلة ما قبل الرشد يظهر الاحتياج للانتماء لآخر حميمياً وهو ما يعبرون عنه بالفراغ العاطفي، وثبات وكفاية إشباع الاحتياجات في الطفولة هو الدعامة الأهم لاجتياز هذه المرحلة.
ما أهدف إليه من هذا المقال هو "فهم المراهق"، لأن أهم احتياج يحتاجه المراهق في هذه الفترة، من الوالدين، هو الاحتياج للفهم والتفهّم؛ هذا الفهم والتفهم الذي يساعد الكبير أن يحتوي المراهق ويساعده على فهم ما يمر به وما يختبره.اقرأ أيضا:
أصبت بالاكتئاب بعد وفاة أمي وتعالجت لكنني انتكست .. ما العمل؟اقرأ أيضا:
والدي يقول لي أنني ملكية خاصة به وأجبرني على خدمته منذ طفولتي.. ما الحل؟