قصة نبي الله يوسف من أحسن القصص، كما وصفها القرآن، وهي مليئة بالعبر والمواعظ، ومدارها على الحكمة البالغة "والله غالب على أمره".
ومن أكثر ما دار الحديث فيه في هذه القصة هو إشكالية "همّ امرأة العزيز بسيدنا يوسف عليه السلام وهمه بها"، فكيف كان ذلك؟

همّ النفس:

فقد جاء قول الله تعالى: "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه" [يوسف 24].
 1-فعلى طريق كثير من الفقهاء والمحدثين أن همّ النفس لا يؤاخذ به، وليس سيئة، لقوله- صلى الله عليه وسلم- عن ربه: «إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة» ، فلا معصية في همه إذا.
2- وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وطنت عليه النفس سيئة.
 وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه.
وهذا هو الحق، فيكون- إن شاء الله- همّ يوسف من هذا، ويكون قوله: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم [يوسف 53] .
أي ما أبرئها من هذا الهم، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ.
وحكى أن يوسف لم يهم، وأن الكلام فيه تقديم وتأخير، أي: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها.
 وقد قال الله تعالى- عن المرأة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [يوسف 32] .
 وقال تعالى: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء [يوسف 24] . وقال تعالى: وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي [يوسف 23] الآية.

اقرأ أيضا:

من أكبر نعم الله على خلقه أن ستر غيب خلقه عن خلقه (الشعراوي)

فوائد وحكم:

1-قيل في «ربي» : الله تعالى. وقيل: الملك.
2- وقيل: هم بها، أي بزجرها ووعظها.
3- وقيل: هم بها، أي غمها امتناعه عنها.
4- وقيل: هم بها: نظر إليها.
5- وقيل: هم بضربها ودفعها.
6- وقيل: هذا كله كان قبل نبوته.
وقد ذكر بعضهم: ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة حتى نبأه الله، فألقى عليه هيبة النبوة، فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه.
وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف فيها تعقب، وأما إخوته فلم تثبت نبوتهم فيلزم الكلام على أفعالهم.
 وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء ليس صريحا في كونهم من أهل الأنبياء.
وقد قيل: إنهم كانوا حين فعلوا بيوسف ما فعلوه صغار الأسنان، ولهذا لم يميزوا يوسف حين اجتمعوا به، ولهذا قالوا: أرسله معنا غدا نرتع ونلعب، وإن ثبتت لهم نبوة فبعد هذا، والله أعلم.