ما معنى أن يظل بين صفوف المسلمين من يتخاصمون يبتعد أحدهم عن الآخر ولا يرضى أن يقترب منه بل يتعارك معه ويكرهه ويتمنى الشر له .. هذه الصفة وهي صفة الخصام من الصفات التي تمثل خرقا في علاقة الإنسان بربه فضلا عن الخرق في العلاقة بين الإنسان ومجتمعه.
كيف يكون المجتمع قويا؟
فالمجتمع يصير قويا بأبنائه حين يرحم الكبير الصغير ويعطف الكبير عللا الصغير ويوقر الصغير الكبير ويتكافل الجميع ويتكامل بهذا تنصر الأمة وتقوى شوكتها ولا يسمح لغيرها باختراقها والإجهاز عليها.
ويكفي لبيان خطورة الشحناء والخصومة بين المسلم وأخيه أنها من موانع المغفرة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُفتح أبواب الجنة يومَ الاثنين ويوم الخميس، فيُغْفَر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتى يصطلحا) رواه مسلم، والمعنى كما ذكر النووي: "(انظروا هذين) أي: أَخِّرُوهما حتى يرجعا إلى الصلْح والموَدَّة"،
وفي الحديث عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَحِلُّ لرجُلٍ أن يَهجُر أخاه فوق ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان: فيُعرِض هذا، ويُعْرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأُ بالسَّلام) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سَنَةً فهو كسفكِ دمِه) رواه أبو داود وصححه الألباني.
الهجر المحمود والهجر المذموم:
على أنه ينبغي التفرقة بين نوعين من الهجر فهناك الهجر لحق الله عز وجل، وهناك الهجر لحق النفس، والأول ـ له شروطه وضوابط ويكون لمن يبغي تحقيق مصلحة مأمور بها شرعا، أما الثاني فهو لحق النفس وهو منهي عنه لأن المؤمنين إخوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يهجُر أخاه فوق ثلاث) رواه مسلم.
واجبنا تجاه المتخاصمين:
ومن الحثو علينا تجاه المتخاصمين ان نسعى في الإصلاح بينهما وأن هذا أفضل من الاشتغال بنوافل أخرى لما فيه من نشر للحب والمودة بين الناس، مما يؤدي إلى سعادة الأفراد، وقوة وترابط المجتمع، ولا شك أن الصلح خير من الشقاق، والصلة أفضل من القطيعة، والحب أولى من الكراهية، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) وفي رواية: (لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي وصححه الألباني. وإصلاح ذات البين: إزالة أسباب الخصام والنزاع، بالتّسامح والعفو، أو بالتّراضي، قال الطِّيبي: "في الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها، لأن الإصلاح سببٌ للاعتصام بحبل الله وعدمِ التفرق بين المسلمين، وفسادُ ذات البين ثُلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال درجةً فوق ما يناله الصائمُ القائم المشتغل بخاصة نفسه".