من المعلوم شرعا أن تلاوة من الأشياء المأمور بها شرعا والتي يرغب في فعلها ابتغاء الثواب ويترتب عليها ثواب عظيم.
ولكن لتلاوة القرآن الكريم آداب كثيرة فلا ينبغي أن يتلى على وجه غير مشروع حتى لا يساء تلاوته ويلحن القارئ في أدائه وبذه يقع في المذموم شرعا.
ومن الأمور التي تكلم فيها العلماء وأسهبوا في الحديث عنها لأهميتها ما يعرف بالترعيد في التلاوة.
ما هو الترعيد في التلاوة:
يقول السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: ومما ابتدعوه شيء سموه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد، أو ألم وقد يخلط بشيء من ألحان الغناءـ
حكم الترعيد في تلاوة القرآن:
يقول الإمام ابن القيم، فالمعروف عنه في كتابه القيم: زاد المعاد في هدي خير العباد، هو جواز التغني بالقرآن من دون تكلف، ولم يذكر جواز الترعيد.
الترعيد هو فقد نص جمع من القراء على منع القراءة بالترعيد، وعلى أنه بدعة، ومن هؤلاء الداني وابن الباذش، والجزري والسيوطي، والسخاوي وغيرهم.
فقد جاء في الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش: قال لي شيخنا الأهوازي: اعلم أن القرآن يُقرأ على عشرة أضرب: بالتحقيق، وباشتقاق التحقيق، وبالتجويد، وبالتمطيط، وبالحدر، وبالترعيد، وبالترقيص، وبالتطريب، وبالتلحين، وبالتحزين.
قال الأهوازي: سمعت جماعة من شيوخي يقولون: لا يجوز للمقرئ أن يقرئ منها بخمسة أضرب: بالترعيد، والترقيص، والتطريب، والتلحين، والتحزين. اهـ.
وذكرت الأمانة العلمية لسؤال وجواب ما قاله الجزري في التمهيد في علم التجويد: وابتدعوا أيضاً شيئاً سموه الترقيص، وهو أن يروم السكت على الساكن، ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة.
التغني بالقرآن على وجهين:
فقد قال رحمه الله تعالى: التطريب والتغني على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين، ولا تعليم، بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز؛ وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً. والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق، لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس من الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع، وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة، على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف، وعابوها، وذموها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه.