يشتكي بعض الناس من أنه يتعرض لسب الناس وإهاناتهم على الدوام، بل قد ترى البعض يشتكي من أن البعض لا يتركه في حاله، ودائمًا ما يسبه في وجوده وغيابه، ويرى أن هذا الأمر يغضبه جدًا، ويكاد تنخلع ضلوعه من فرط الحزن على نفسه، وما آل إليه حاله، لكنه ينسى أن خير منه سبق وتعرض للإهانة والسب من قبل، ومع ذلك صبروا، فكانت النتيجة أن نصرهم الله على عدوهم، وعذب قلوب قوم كفروا وجحدوا وسبوا دون وجه حق.. فماذا علينا لو اتبعنا خطاهم؟.. أوتدري عزيزي المشتكي ممن يسبوك أن أنبياء الله وهو خير البشر على الإطلاق سبوا وتعرضوا لأذى لم يتعرض بشر مثلهم؟.. ومع ذلك لم ييأسوا من روح ورحمة الله عز وجل، وهذا هو الفارق الذي جعل الغلبة من صفهم في النهاية.

سفاهة 

أوتدري عزيزي المشتكي من أن بعض الناس يهينك، أن نبي الله هود عليه السلام، وهو من هو.. تعرض لسب من أفظع السباب، على الرغم من أنه كان يدعوهم إلى النجاة، قال تعالى على لسان نبي الله هود عليه السلام وهو يدعو قومه: «وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ» ( الأعراف 65)، تخيل يدعوهم لتقوى الله فتكون النتيجة أن يردوا عليه بقولهم: «قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ» ( الأعراف 66)، ومع ذلك إلا أنه لم يرد الإساءة بإساءة، بل رد عليهم بقلب يتمنى لهم الهداية: «قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ» ( الأعراف 67).. فكيف بنا نغضب لأنفسنا جدًا وكأن الدنيا ستهد أو أن الكون سينتهي فجأة.. لما لا ندع الأمر لله، وهو قادر على منحنا حقوقنا.

اقرأ أيضا:

كيف بزيد الايمان وبنقص؟ وما أثر ذلك على العمل والاستقامة على الحق

جنون

وهذا نبي الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر على الإطلاق الذي اصطفاه الله على جميع خلقه، يصفه المشركون بأنه (مجنون)، ومع ذلك كان يرد بدعائه الشهير العظيم: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، وحتى أنه لما عذب وهو عائدًا من الطائف، ونزل عليه ملك الجبال يسأله لو أطبق عليهم الجبلين، فيقول قولته الشهيرة: (لعله يأتي من أصلابهم من يؤمن بالله)، فيكون ابن أبي جهل، صحابي جليل وهو سيدنا عكرمة، ثم يؤمن سيدنا أبي سفيان وهكذا يستجيب الله له..


وهذا نبي الله نوح يدعو قومه للهداية ما يقرب من 1000 عام، ثم يردون عليه بقولهم: «قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» ( الأعراف 60)، تخيل هذا النبي العظيم يقال له إنك في ضلالة، ومع ذلك يستمر لسنوات طويلة يدعوهم ولا ييأس، حتى يأتي أمر الله بإغراقهم.. فلا تعجز مهما سبك الناس أو أهانوك، ولكن اصبر وفي الصبر كل الخير.