ليلة القدر هو خير ليالي العام وأفضلها على الإطلاق، شرفها الله عز وجل بأن أنزل فيها القرآن الكريم، كما ميزها بالعديد من الفضائل العظيمة، والتي يُذكَر منها :
ليلة القدر وإن كانت لا تعلم أي ليلة هي على الراجح، إلا أنها محصورة في العشر الأواخر من رمضان ، ولم يقتصر الشرع على هذا الحصر، بل أخبر ببعض العلامات التي تميز تلك الليلة رغبة في استباق الخير فيها والتزود للآخرة. وهناك علامات في أثناءها، وعلامة بعد انقضائها، فالأولى بمثابة المرغب المنشط على إحيائها، والأخرى بمثابة المبشر لمن عمل الصالحات فيها، والمحسَّر لمن ضيع وفرط.
فأما العلامات التي في أثناءها فمنها ما رواه أحمد من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً ، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح".
ومنها ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة" قال بعض العلماء: فيه إشارة إلى أنها تكون في أواخر الشهر، لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر.
وتمتاز بالسكينة والطمأنينة، وراحة القلب، ونشاطه لأداء الطاعة، وتلذُّذه بالعبادة أكثر من الليالي الأخرى؛ وذلك بسبب تنزُّل الملائكة بالسكينة على العباد، قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، وهي ليلة لا يُرمى فيها بنجم؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليلةُ القدرِ ليلةٌ بَلْجَةٌ ، لَا حارَّةٌ ولَا بَارِدَةٌ ، ولَا سَحابَ فِيها ، ولَا مَطَرٌ ، ولَا ريحٌ ، ولَا يُرْمَى فيها بِنَجْمٍ).
ومن علامات ليلة القدر أن تكون في ليلة من ليالي الوتر في رمضان، في العشر الأواخر منه؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (وَقَدْ رَأَيْتُ هذِه اللَّيْلَةَ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في كُلِّ وِتْرٍ).
يُكرم الله تعالى بعض عباده بإحساس داخلي وشعور قلبي بالاطمئنان إلى موافقتهم قيام ليلة القدر؛ نتيجة حُسن إقبالهم على الله سبحانه بالقُربات وسائر الطاعات.
وأما العلامة التي تأتي بعد انقضائها فهي: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها كما ثبت ذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي بن كعب.
فكأن الشمس يومئذ لغلبة نور تلك الليلة على ضوئها، تطلع غير ناشرة أشعتها في نظر العيون. أفاده النووي في شرح مسلم.
لا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابِلة وقولٌ عند المالكيِّة وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العلم .
فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كنتُ أجاوِرُ هذه العَشْرَ، ثم قد بدا لي أن أجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخِر، فمن كان اعتَكَفَ معي فلْيَثْبُتْ في مُعتَكَفِه، وقد أُرِيتُ هذه الليلةَ، ثم أُنْسِيتُها، فابتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فاستهَلَّتِ السَّماءُ في تلك الليلةِ فأمطَرَت، فوَكَف المسجِدُ في مُصَلَّى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ إحدى وعشرينَ، فبَصُرَتْ عيني رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونَظَرْتُ إليه انصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً )) .
و عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ثمَّ أُنْسِيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنَا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله، فانصرَفَ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ على جَبهَتِه وأنفِه )) .
وإذا أحسّ المسلم بهذا الشعور فإنّ أفضل ما يدعو به في هذه الليلة هو قول: "اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي"؛ لِما روته عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها سألت النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: (يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي).
اقرأ أيضا:
لماذا نفرح بانتهاء شهر رمضان وقدوم العيد؟ (الشعراوي يجيب)اقرأ أيضا:
فرحة النبي بالعيد.. هكذا كان يحيي ليلته ويحتفل به؟!