يشكو أغلب المسلمين في وقتنا الحاضر من انتزاع البركة من رزقه وتربية أبنائه، فيشكو هذا من قسوة أبنائه عليه، ويشكو هذا من عدم كفاية رزقه لتلبية مطالب أبنائه مهما اكتسب من آلاف الجنيهات في الشهر الواحد، ويشكو هذا من قلة الصحة، وتشكو هذه من خيانة زوجها لها، فما هي الأسباب التي أدت لانتزاع البركة.
أولا: الذّنوب والمعاصي: فهي سببٌ لهوان العبد على الله تعالى، وسقوطه من عينه، وذهاب البركة.
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ).
ثانيا: الكذب والغشّ والخداع: عن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا).
ثالثا:كثرة الحلف لا سيّما في البيع والشّراء: حتّى لو كان الحالف صادقاً، وقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحلف في البيع والشّراء، ويُلحق به غيرهما من وجوه التّعامل بين النّاس، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ).
رابعا:أكل المال الحرام بشتّى صوره: وأعظم ذلك وأكبره أكل الرّبا، فإنّ الرّبا يزيد المال في الظّاهر فتهفو النّفوس إليه، وإنّ الزّكاة تنقص المال في الظّاهر فيُحجم البعض عنها، ولكنّ سنّة الله تقضي بأنّ هذه الزّيادة في الرّبا تعود على المال وصاحبه بالقلّة والمحق والزّوال، كما أنّ الجزء المزكّى يعود على المال وصاحبه بالبركة والنّماء والزّيادة، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
خامسا:الحرص والطّمع في طلب الدّنيا: فيرغب لها ويُحبّ لها ويُبغض لها ويُضيّع ما أوجب الله عليه لها ويرتكب ما حرّم الله عليه لها، حتّى ربّما ناله من غير حلّه لطمعه وجشعه وشدّة حرصه، عن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: (يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) [ 20 ]، فخذ هذا المال بطيب نفسٍ، وسخاءٍ حلالٍ، وراحة بالٍ، واحذر الجشع والطّمع، والطّلب الزّائد والهلع.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةما هو مفتاح البركة؟
المفتاح الكبير للبركة، والذي لا بدّ إلاّ وأن نقف عليه، هو قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].
هذه الآية تبيّن سنّةً من سنن الله الجارية، فلو أنّ أهل القرى آمنوا بدل التّكذيب، واتّقوا بدل العصيان، لفتح الله عليهم بركاتٍ من السّماء وبركاتٍ من الأرض.
ويؤخذ من الآية: أنّ الإيمان والتّقوى له صلةٌ قويّةٌ برزق الإنسان وقوّته وحياته، بل وانشراحه وسعادته، فلنجتهد في تحصيل الإيمان والتّقوى، حتّى تعود لنا بركتنا الّتي كانت في غابر الأزمان.
و من أهمّ وسائل استجلاب البركة:
1/التّبكير في طلب الرّزق: كان عُمَارَةَ بْنَ حَدِيدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً بَعَثَهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا كَانَ يُرْسِلُ غِلْمَانَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَضَعُهُ.
2/برّ الوالدين وصلة الرّحم: إنّهما لمن أعظم الأسباب الّتي تُستجلبُ بهما البركة في العمر والمال والأهل والرّزق، فالبرّ من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها، ثمّ إن الصّلة متصلة بالله عز وجل، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله، ومن أراد أن يبارك له في عمره ورزقه فليصل رحمه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). [ 5 ]
3/قراءة القرآن والعمل به: قال الله تعالى عن القرآن: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].
4/الابتعاد عن الحرام
5/الدّعاء واللّجوء إلى الله: فإنّه أهمّ أسباب البركة، فقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو للمتزوّجين بالبركة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ).
اقرأ أيضا:
حتى يؤتيك الله من فضله.. عليك بهذه الأمور