ربما يكون كل همه في مواجهة مصيبته، أن يسمعه الناس، لا يريد أن يقدموا له شيئا أكثر من أن يهتموا لشكوته، ويصغوا إليه، ويتفهموا مشاعره، لم يطلب النصيحة، حتى لا يجد نفسه وحيدا وضحية للعالم الذي فوجئ به.
ربما تكون هذه هي أغلب مشكلاتنا في الوقت الحاضر مع حالة التيه والفقر التي نتحيا فيها جميعا، فقد أصبح كل واحد مهموم بنفسه فقط، ولا يسعه أن يسمع ولو مجرد السمع لغيره، حتى أصبح كل فرد مخنوق بداخل مشكلاته وهمومه، ما زاد من أعباء الحياة، وأصبح كل واحد بالوحدة وسط آلاف البشر من حوله، حتى أقرب أقاربه.
نفسيات تتعب وتشعر بالضيق لم تكن تشعر بالراحة وكل شيء يشعر بالإرباك والانزعاج والغضب..تفاقمت أزمتهم في الاكتئاب وأحسوا بالاختناف، ولا يطيقون الحديث مع أحد، حتى أصبح الناس غرباء في أوطانهم.
كيف نظر النبي للغرباء؟
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في صدر النهار، فجاءه أقوام حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، وليس عليهم أزر ولا شئ غيرها، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لما رأى بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وصلى ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه،….
ثم قال : تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من شعيره، من صاع تمره، حتى قال: ولا يحقرن أحدكم شيئا من الصدقة ولو بشق تمرة، فأبطؤوا حتى بان في وجهه الغضب، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة من ورق كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت فناولها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو على منبره، فقال: يا رسول الله هذه في سبيل الله، فقبضها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ثم قام أبو بكر فأعطى، ثم قام عمر فأعطى، ثم قام المهاجرون والأنصار فأعطوا، ثم تتابع الناس في الصدقات، فمن ذي دينار، ومن ذي درهم، ومن ذي، ومن ذي، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، و مثل أجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن سنة في الإسلام سيئة كان عليه وزرها و مثل وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ، ثم تلا هذه الآية: {ونكتب ما قدموا وآثارهم}،فقسمه بينهم” ] رواه مسلم.
في هذا الحديث يقدم قوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر على هيئة من الفقر، بحيث إنهم لا يلبسون إلا العباءات الممزقة، التي تظهر أكثر مما تستر، فضلا عن خشونتها وغلظها، فقد كانت من الصوف ليس تحتها شيء، فماذا كان منه صلى الله عليه وسلم ؟
أولا : تَمَعّر وَجْهه – صلى الله عليه وسلم – أي تغير من شدَّة احتياج هؤلاء القوم مع عدم مواساة الأغنياء لهم مما يدفع ضررهم.
والعجيب أنك إذا ذهبت تعد الأحاديث التي ذكرت تمعر وجهه صلى الله عليه وسلم فستجدها قليلة جدا، بل ذكرت عائشة مرة تمعر وجهه صلى الله عليه وسلم تمعرا شديدا ثم قالت : ” فتمعر وجهه صلى الله عليه وسلم تمعرا ما كنت أراه منه إلا عند نزول الوحي، وإذا رأى المخيلة حتى يعلم أرحمة أو عذاب ” فقد بلغ الغضب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منتهاه حينما رأى هذه الأجسام العارية والبطون الضامرة.
ثانيا : حضَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الصدقة، وغضب صلى الله عليه وسلم حينما رأى تباطؤا في التصدق.
ثالثا : استنار وجهه صلى الله عليه وسلم حين جمع لهم ما يسدّ فاقتهم، وذلك يدل على أن حل مشكلات الناس الاجتماعية كانت من دواعي سروره واستنارة وجهه، ولم يكن ذلك مقصورا على النواحي العبادية المحضة.
فكم من قريب وصديق بحث عن من يسمعه وأنت أمامه لا تصغ له، ولم تهتم حتى ولو لسماع وجيعته.
اقرأ أيضا:
حتى لا تغتر بملكاتك.. هل يكفيك هذا يوم القيامة؟