يعرض كتابا "منازل الروح" و"حياة الذاكرين" للدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثانية والخمسين، والذي يستمر في مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس حتى 15 يوليو الجاري.
وبالإمكان الحصول على الكتابين من دار الرواق للنشر والتوزيع في قاعة ٢ جناح C6.
ويقول خالد إن كتاب "منازل الروح" الهدف منه التخفيف من الألم والمعاناة في الحياة.
ويضيف في مقدمة كتابه: "ينتابني الألم كلما لمست كم يعيش العالم في معاناة روحية قاسية! في اعتقادي أن أغلب المشكلات التي تمر بها البشرية مرجعها الأساسي حالة الخواء الروحي تلك. الحضارة الغربية قدّمت إنجازات عظيمة للبشرية وفسّرت لنا بالمنهج العلمي الكثير من الأمور، ومنحتنا من الاختراعات والتكنولوجيا ما سهّل علينا حياتنا وجعلنا نعيش في رفاهية لا ننكرها".
واستدرك: "لكن على الجانب الآخر كان الثمن الذي دفعناه فادحًا؛ طغت المادية على كل شيء، وحياة الإنسان صارت سريعة لا طعم لها، كل شيء يتم حسابه بالأرقام، سواء أرقام حسابات البنوك أو أرقام التعداد السكاني وغيرها، في حين أن الإنسان ليس مجرد رقم في كشف!".
ولا يعتقد خالد أن الأمر يختلف كثيرًا في عالمنا العربي والإسلامي، "بالعكس قد تكون المعاناة أشد؛ لأن الروحانيات مكوّن أساسي في تركيبتنا النفسية، وعند غيابها نفقد طوق النجاة الذي لطالما تمسكنا به، وعندها تنتشر الأمراض النفسية والانحرافات السلوكية، ويجد التطرف الديني والفكري فرصة سانحة للتسلل إلى تلك الأجيال التي فقدت طريقها في ظلّ غياب المنهج الروحي المستنير".
وفي سياق إجابته على التساؤل الذي يطرحه في مقدمة الكتاب: ما الذي أقصده بالمنهج الروحي المستنير؟، يجيب خالد: "في عالمنا الإسلامي كان لدينا لمئات السنين منهجًا روحيًّا مستنيرًا، هو التصوف العلمي، الذي ظلّ يُقدِّم احتياجاتنا الروحية لعدة قرون، لكنه مع مرور الزمن انقسم نوعين: تصوُّف علمي مبني على أسس علمية سليمة، مرجعيته القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة، وتصوُّف آخر شعبي، كثرت فيه الشطحات والخرافات والمبالغات التي لا تستند لعلم أو دين؛ وهو الأمر الذي جعل كثيرين من أبناء الطبقة الوسطى والمتعلمين ينفرون من التصوّف بشكل عام، وهم لا يدركون أنهم إنما ينصرفون عن الصورة السلبية للتصوّف، والتي طغت على حقيقة التصوّف النقية، التي ما زال -لحسن الحظ- كثير من العلماء الكبار إلى اليوم يتبنونها".
الروحانيات العشوائية
ولاحظ خالد أن الروحانيات التي قُدِّمت في عالمنا العربي في آخر مائة سنة "كانت تفتقد للمنهجية العلمية، تفتقد للبناء التربوي المنهجي الذي يضمن تحويل هذه الروحانيات إلى قيم وأخلاق ومهارات حياة، تسهم في نهوض المجتمع، فعلى قدر علمي لم يُقدِّم العالم العربي طوال العقود الماضية مشروعًا روحيًّا علميًّا منهجيًّا مرتبطًا بالأخلاق وتطوير مهارات الحياة، بحيث يكون الارتقاء الروحي وسيلة لتهذيب الأخلاق وإنماء الحياة".
وأشار إلى أن "أغلب ما تم تقديمه خلال القرن الأخير كان أشبه ما يكون بـ"الروحانيات العشوائية"، القائمة على جهود فردية لدعاة دينيين مخلصين في طرحهم، لكن محتواهم الروحاني غير ممنهج، يفتقد للوعي والمعرفة بخطوات التدرج الروحاني وأثره ونتائجه، وعلى الجانب الآخر قدّمت بعض التيارات الدينية محتوى روحيًّا غير مدروس، يعتمد فقط على حثّ الناس على الإكثار من العبادات، دون أن يكون لهذه العبادات تأثير روحي على نفس فاعلها، فكانت النتيجة وجود أشخاص يتعالون على مَن حولهم بعباداتهم ويعتقدون في قرارتهم أنهم أفضل منهم، ووصل الأمر في بعض النماذج الأكثر تطرفًا إلى العنف وتكفير المجتمع!".
وكشف خالد أنه "في السنين الأخيرة مررتُ بتجربة روحية غيرت نظرتي لكثير من الأمور، ولفتت نظري لحديث الإحسان، وجعلتني أتأمله بنظرة جديدة، وأشعر أنني قد وجدت غايتي فيه".
وقال: "هذ الحديث العظيم يخبرنا ببساطة أن الدين له ثلاثة أوجه، ثلاثة أبعاد لا يقوم إلا بها: إسلام، وإيمان، وإحسان، لكن غالبية المسلمين اليوم يعيشون فقط بالإسلام والإيمان، ويهملون الإحسان، وربما لا يعرفون عنه شيئًا. والإحسان له ثلاثة أبعاد: مع الله؛ بأن تعبده كأنك تراه، ومع الناس؛ بأن تعاملهم بأحسن الأخلاق، ومع الحياة؛ بأن تحسن عملك؛ أي تتقنه وتبدع فيه، وبذلك تتكامل في الإحسان معاني الإصلاح الإنساني للدنيا والآخرة".
وأضاف "وعندما بحثتُ، وجدت الإحسان في منهج التصوّف العلمي المستنير، البعيد كل البعد عن التصوّف الشعبي غير المنضبط بضوابط العلم والشرع، والذي حوّله أتباعه لوسيلة للهروب من الحياة وليس لإعمارها، وألحقوا به الكثير من الشطحات والخرافات والمبالغات غير المدعومة بالعلم الشرعي الصحيح. التصوّف العلمي هو المصدر الوحيد الذي يمتلك منهجًا روحانيًّا أخلاقيًّا معتدلًا، متفقًا مع القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة، ولديه تجربة ثرية امتدت لأكثر من ألف سنة".
اظهار أخبار متعلقة
منهج روحي تربوي مستنير
وتابع خالد في سياق حديثه حول دوافع لوضع هذا الكتاب: "وعندما لمستُ حاجتنا الشديدة اليوم لمنهج روحي تربوي مستنير ومعتدل، يحمي من التطرف والإرهاب، ويحقق توازنًا روحانيًّا يواجه المادية المفرطة، وفي نفس الوقت يمدّ الحياة والمجتمع بمجموعة من أخلاق التواصل الإنساني ومهارات النجاح في الحياة؛ لتكون الروحانيات وسيلة لإعمار الحياة، وليس للهروب منها؛ لم أجد ضالتي سوى في التصوّف العلمي، وكان من فضل الله عليَّ أن تتلمذت على يد علماء أجلاء ينتمون لهذه المدرسة".
وأوضح "ومع التجربة الروحية التي مررت بها خلال السنين الأخيرة، ألهمني الله بمنهج روحي هو خلاصة كل ما مررت به خلال تلك التجربة، سمَّيته "منازل الروح"، وهو منهج قائم على مرجعية علمية رصينة ومتماسكة، مصدرها القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة والتراث الروحي المستنير، يتسق مع احتياجات العالم المعاصر، والمشترك العالمي من القيم الإنسانية؛ لتكون هذه الروحانيات وسيلة للسلام والرحمة والتعايش، وليس وسيلة للصراع والتطرف والعنف. جوهر هذا المنهج يقوم على الإحسان في الحياة، ويرسّخ حب الله، ولن تحب الله حتى تحب خلق الله، فحب الصنعة من حب الصانع".
وبين أن منهج "منازل الروح" يتكون من سبع منازل روحية، وهي: التقوى، واليقين، والتوكل، والتسليم، والرضا، والعبودية لله، ومحبة الله. كل منزلة من هذه المنازل تدعم وتُنتج مجموعة من الأخلاق في مجال محدد من مجالات الأخلاق، وهي أخلاق التواصل الإنساني الداعم للعيش المشترك، وفي نفس الوقت فهي تدعم وتُنتج مجموعة من مهارات النجاح في الحياة، والانتقال بين تلك المنازل يعتمد على تغذية الروح بشكل مستمر بذكر الله مقرونًا بالفكر (ذكر الله والتأمل العميق) في عملية تُعرَف بالصفاء الروحي (meditation)، ومن خلال مستوى عالٍ من امتزاج العاطفة مع الفكر (mindfulness)، وهذا الإعداد الروحاني المستمر هو المحرك في النفس لقيم الحب والرحمة والخير والسلام النفسي والمجتمعي.
كيفية الذكر بشكل مؤثر
وقال: "وقد خصصت كتابًا بعنوان "حياة الذاكرين" للحديث بشكل تفصيلي عن كيفية الذكر بشكل مؤثر وفعّال، وهذا الكتاب بمثابة الجانب التطبيقي لمنهج "منازل الروح"، أما هذا الكتاب -كتاب "منازل الروح"- فقد خصصته للحديث عن المنهج والتفصيل في منازله السبع، وما يقترن بكل منزلة من أخلاق وأركان نجاح، وكيفية الترقي من منزلة لأخرى، وتأثير ذلك على شخصية الإنسان ومجالات حياته".
وتابع: "والهدف النهائي والغاية المرجوة من هذا المنهج هو الوصول لمنزلة الإحسان، منزلة "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وذلك بأن ترى الله في كل جزئيات حياتك؛ فتؤدي كل عمل في حياتك بأحسن ما عندك. هذا هو هدف الكتاب؛ تقديم منهج روحي تربوي مستنير، يُنتج أخلاق التواصل الإنساني، ويدعم مهارات النجاح في الحياة للوصول إلى مجتمع يعيش بثقافة الإحسان روحيًّا وأخلاقيًّا وحياتيًّا".
وخلص خالد إلى أن "هذا ليس كتابًا فكريًّا أو نظريًّا يخاطب فقط القلب والمشاعر والأحاسيس، بل هو كتاب فكري وروحي وعملي؛ لإصلاح الحياة بالروحانيات، لو أخذته بجدية وطبقت ما فيه؛ أعدك أنك ستجد تغيرًا جذريًّا في حياتك".