لا يقف القرآن فقط في حياة المسلم عند حد التلاوة بل هو دستور روحي وعملي به يتزود من عبره وعظاته ويطبق أحكامه وشرائعه، وبهذا فالقرآن الكريم هو حياة المسلم وبدونه يصير المسلوب مسلوب الحياة فاقد الإحساس منعدم الفائدة مثله كمثل الأنعام بل أضل.
تأثير القرآن في القلوب:
تأثير القرآن في القلوب عظيم الأثر حتى إنه تأثيره يتعدى حدود الإنسان بل الجمادات فها هم الجن تعجبوا من هذا القرآن المعجز حتى قالوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (الجن: 1، 2)، بل سمعه نفر من النصارى فخشعت له قلوبهم وقالوا، كما عبر القرآن الكريم: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة: 82، 83).
ومن نماذج تأثير القرآن أيضا ما ري أنه سمعه زعيم من زعماء قريش فقال: إنه يعلوا ولا يعلي عليه، نطق بالشهادة الحق في قرآن الله الذي كان له وقعه في القلوب والنفوس، فكان يقتلع منها عقيدة الشرك وهجمة الباطل.
أُسيد بن حضير وتأثره بالقرآن:
ومما روته السير موقف رائع يدل تأثير القرآن في النفوس المتعطشة لقبول الدعوة؛ فلقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أول معلم للقرآن إلى المدينة بعد أن دخل بعض أهلها في الإسلام، وهو: مصعب بن عمير، فأخذ يعلمهم القرآن، وعلم بذلك سعيد بن معاذ سيد الأوس، ففزع فزعًا شديدًا، ورأي أن هذه بداية لشيء خطير يزلزل من مكانته، فقال لابن أخيه أسيد بن حضير: ألا تذهب إلي هذا الرجل وتزجره؟! فلما ذهب إليه أسيد، قال له: ما جاء بك؟ وهدده، وقال له: اعتزل إن كان لك في نفسك حاجة، ولكن مصعبًا أجابه في ثبات المؤمن، قائلا: أو تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره..
وهنا بدأ مصعب رضي الله عنه يقرأ القرآن، وأُسيد يسمع، فما قام من مجلسه حتي أسلم، ثم ذهب إلى عمه، وقال له: ما رأيت بالرجل بأسًا، فغض سعد، وذهب إلي مصعب ثائرًا، فاستقبله مصعب بمثل ما استقبل به أسيدًا، وانتهي الأمر بإسلام سعد الذي ذهب إلي قبيلته وجمعها، وقال: ما تعدونني فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا. فقال سعد: كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتي تسلموا، فأسلموا جميعًا.
عمر بن الخطاب وتأثره بالقرآن:
ومما روته السير أيضا عن إسلام عمر هذا الموقف الرائع؛ إذ القرآن الكريم كان السبب الأصيل في دخوله للإسلام وتركه عبادة غير الله؛ لقد دخل على أخته حينما سمع بإسلامها يريد أن يبطش بها، وتناولت عيناه صحيفة القرآن، فقرأ: (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) (طه: 1-6).
وهنا أخذته رجة عنيفة أصابت مكمن الحقيقة من نفسه وقلبه وعقله، فقال: دلوني علي محمد، وهذا الموقف الرائع الذي عز الله به الإسلام بدخول عمر كان سببه آيات القرآن التي تنزلت على قلبه والتي تأثر بها فجلت صدأ القلب وأظهرت له الحقائق بينة ظاهرة دون مواربة أو مجاملة أو صعوبة فذهب للنبي وأعلن إسلامه، فكانت سبيلاً إلى قلب عمر وعقله، فاستجاب لله، وكان سلاح الإسلام وعونه ضد الشرك وأعوانه وترك عبادة الأصنام وأسلم لله الواحد الديان.