للجلوس مع الملوك آداب يجب مراعاتها، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة، ولكن لابد فيه من الخبرة، ومعرفة ما يغضب الملوك ويرضيهم.
شرف مؤاكلة الملوك:
1-يجب للملوك أن لا يشره أحد إلى طعامهم، ولا يكون غرضه أن يملأ بطنه، وينصرف إلى رحله، إلا أن يكون الآكل أخا الملك، أو ابنه، أو عمه، أو ابن عمه، أو من أشبه هؤلاء؛ ويكون أيضاً ممن يقصر بعد الأكل ويطيل المنادمة، ويجعل ما يأكل غذاء يومه وليلته، إذ كان لا يمكنه الانصراف متى شاء.
2- كانت ملوك فارس، إذا رأت أحداً في هذه الحال التي وصفنا من شره المطعم والنهم، أخرجوه من طبقة الهزل، ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار والتصغير.
3- والملك، وإن بسط الرجل لطعامه، فمن حقه على نفسه، وحق الملك عليه أن لا يترك استعمال الأدب، ولا يميل إلى ما تهوى طبيعته؛ فإنه من عرف بالشره، لم يجب له اسم الأدب، ومن عرف بالنهم، زال عنه اسم التمييز.
4- إذا وضع الملك بين يدي أحدٍ طعاماً، فليعلم ذلك الرجل أنه لم يضعه بين يديه ليأتي عليه، بل لعله، إن كان لم يقصد بذاك إلى إكرامه أو مؤانسته، أن يكون أراد أن يعرف ضبطه نفسه، إذا رأى ما يشتهي من بسطه لها.
5- حسب الرجل، إذا أتحفه الملك بتحفة على مائدته، أن يضع يده عليها، فإن ذلك يجزئه، ويزيد في آدابه.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟شاب مع الخليفة أبي جعفر المنصور:
دخل شاب من بني هاشم على المنصور، فاستجلسه ذات يومٍ، ودعا بغدائه، وقال للفتى: أدنه فقال الفتى: قد تغديت.
فكف عنه الربيع بن يونس وزير المنصور، حتى ظننت أنه لم يفطن لخطاه. فلما نهض للخروج، أمهله.
فلما كان من وراء الستر، دفع في قفاه.
فلما رأى الحجاب ذلك منه، دفعوا في قفاه حتى أخرجوه من الدار.
فدخل رجال من عمومة الفتى، فشكوا الربيع إلى المنصور.
فقال المنصور: إن الربيع لا يقدم على مثل هذا، إلا وفي يده حجة؛ فإن شئتم أغضيتم على ما فيها، وإن شئتم سألته، وأنتم تسمعون.
قالوا: فسله، فدعا الربيع، وقصّوا قصته.
فقال الربيع: هذا الفتى كان يسلم من بعيد، وينصرف. فاستدناه أمير المؤمنين، حتى سلم عليه من قريب، ثم أمره بالجلوس، ثم تكرم بفضيلة المرتبة التي صيّره فيها أن قال، حين دعاه إلى طعامه: قد فعلت. وإذن ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع. ومثل هذا لا يقومه القول دون الفعل.
مائدة طعام:
يقول أحد الظرفاء: كنت أحضر على مائدة اسحق بن إبراهيم، أنا وعدد من أفاربي وأصدقائي، فكنت أعدّ على مائدته ثلاثين طائراً.
فأما الحلو والحامض والحار والقار، فأكثر من أن أحصيه. فلا نرزأ من ذلك كله إلا مقدار ما يأكل الطائر. إنما نكسر الخبز بأظفارنا، قلت: فما كان ينشطكم؟.
قال: لا ولو فعل ما فعلناه قال: فما هو إلا أن نتوارى عن عينه حتى ننتهب.