لعلك وأن تدعو الله ولا يستجيب لك في أن تصبح رجلا غنيا ذا مال أو سلطة، يضيق صدرك، وتتساءل لماذا لا يستجيب الله لي، وماذا لو نلت من الدنيا ما أسعى إليه من النجاح والشهرة والمال الذي يمنحني القوة، ولكن ربما لا تتساءل هل تظل على دينك وأخلاقك حال منحك الله هذه القوة، ام أن المال والسلطة سيمنحونك الفساد الذي تفسد به نفسك ومن حولك.
يتحدث القرآن الكريم عن فتنة المال، ومع ذلك قد يظن الكثير من الناس أن الخير في النمال فقط، وليس في الابتعاد عنه، فكم من أب فقد ابنه في حوادث السيارات نتيجة شراء سيارة لابنه الصغير لمجرد أن يلهو بها مع أصدقائه، وكان الثمن حياته، وكم من شاب دمر نفسه ومستقبله بسبب شرب المخدرات بأموال رأبيه، وكم من زوجة خانت زوجها واتجهت للتعري نتيجة الاشتباك مع المجتمعات الخليعة في الأندية الليلية والأماكن المشبوهة بكثرة مال زوجها، وكم من فتاة تنازلت عن شرفها وعفتها بسبب وفرة هذا المال والاتجاه لغير ما تربت عليه.
فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها المسلمون، وفتنة الجاه من الفتن الكبيرة التي أودت بكثير من أخلاق المسلمين، هذه الفتنة التي عظم النبي صلى الله علي وسلم شأنها، فقال: إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال، ولذلك كان صلى الله علي وسلم لا يخشى على أصحابه الفقر، ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم تنشغلون بالدنيا وبالأموال، فتفتنون، فيصيبكم ما أصاب الأمم من قبلكم.
وتحسبوه خيرًا وهو شر عظيم
كثير من الناس إذا أصابته نعمة من الله كفروا، وإذا وسع الله عليهم شيئًا من معيشتهم نسوه ، وإذا أعطاهم الله وظيفة أو جاه تكبروا على عباد الله، ما هو السبب الذي يجعل كثير من النفوس تصاب بهذا المصيبة الكبيرة؟ أو رجل يزاد له في دخله شيء، أو يتجر تجارة، أو يكثر أمواله بوجه من الوجوه، فتخرب نفسه، ويتعالى على عباد الله، ويقطع الرحم، ويتكبر في الأرض، ويفسد فيها، ويعلو علوًا كبيرًا.
ومن سير الصحابة -رضوان الله عليهم- نرى كثيرا منهم قد أدرك الحالين: حال الفقر، وحال الغنى، فكيف كان حالهم في وقت الفقر؟ وكيف صار حالهم في وقت الغنى؟ هل تغيرت نفوسهم؟ هل اضطربت أحوالهم؟ هل رجعوا وارتدوا على أعقابهم؟.
كان حال النبي صلى الله علي وسلم وأصحابه قبل الفتوحات حالًا شديدا، قال صلى الله علي وسلم: لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثة من بين يوم وليلة مالي ولبلال طعام، وليس لي وبلال طعام إلا ما يواريه إبط بلال ، قالت عائشة: "ما شبع آل محمد صلى الله علي وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض"، ما شبعوا من طعام البر ثلاث ليال متوالية، لا يمكن ما مر عليهم، وقالت: "ما أكل آل محمد صلى الله علي وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر"، وقالت: "كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا، إنما هو التمر والماء، إلا إن نؤتى باللحيم".
كيف تعرف الكريم واللئيم من فتنة المال؟
إذا رأيت الغني يقول: ورثت هذا كابرًا عن كابر، فاعلم أن الخير من نفسه منزوع، وأن نصيبه من الرحمة والتواضع مفقود، وانظر لقصة الثلاثة الذين أنعم الله عليهم: هذا بقطيع من الإبل، وهذا بقطيع من البقر، وهذا بقطيع من الغنم، وزال من كل واحد عيبه، زال الصلع، وزال العمى، وزال البرص، فماذا قال الأول والثاني؟ ورثته كابرًا عن كابر، والأعمى قال: هذا مال الله، أعطاني إياه، خذ منه ما شئت، لا أمنعك منه شيئًا أبدًا.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتمن أشراط الساعة أن يفيض المال
إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، وقد قال النبي صلى الله علي وسلم:" ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام. حديث صحيح ، وغيره، وفي رواية: يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام.
وهؤلاء الناس اليوم لا يبالون يظلم، يأخذ راتب عمال، يحسم، أسهم البنوك، شركات محرمة، لا يبالون بما أخذوا من حلال أم من حرام، غصب الأموال، أخذ حقوق أيتام، وهكذا صدق نبي الله صلى الله علي وسلم وصار الجشع والشره في الناس عظيمًا، يتنافسون على الدنيا، ويتقاتلون، وقد يشتكي الابن أباه في المحكمة.
يقول النبي صلى الله علي وسلم لأبي ذر الغفاري:"يا أبا ذر أترى أن كثرة المال هو الغنى؟ إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب، من كان الغنى في قلبه، فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا، وإنما يضره نفسه شحها.