عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن الاختلاف إنما هو سر صفة الله الواسع البديع.. فلولا الاختلاف ما صار للعلم احتياج، فالاختلاف سبب لتداول المعلومات وتمحيص الأخبار.. والاختلاف مقصود الله ؛ لأنه يظهر إبداع الله في ألوان مخلوقاته المختلفة فيبهر النفوس من كثرة وتنوع الاختلافات وصانعها واحد ؛ حتى إذا أدركنا مقصوده من الاختلاف انتقلنا إلى رؤية صفة الله الواسع فنمتدح الاختلاف لارتباطه بالله الواسع البديع، وإليه أشار بقوله تعالى : «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ»، أي يستمر اختلافهم ليستمر تعرفنا على بديع ما يخلق من الاختلاف الذي يؤكد أن الله عز وجل واسع لا ينضب ما عنده.
الاختلاف والوحدة
من أعجب ما شريعة الإسلام، أن الاختلاف يعني الوحدة والتكامل بين المسلمين، ولذلك اعتبر القرآن الاختلاف آية من آيات الخالق فجاء فيه ما يؤكّد ذلك، قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ»، وإذا كان القرآن قد أقر بأنه «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا»، فإنه لا مبرر أن نرفض حق الاختلاف وأن نصر على امتلاك الحقيقة الدينية دون غيرنا من المنظومات والمقاربات.
وهو ما يؤكده المولى عز وجل في قوله تعالى: «وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، ولذلك فإن الله عز وجل خلق الخلائق كلها متباينين في رؤاهم وتصوراتهم وهو ما يجسده نص الآية التالية، قال تعالى: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةمشروعية الاختلاف
إذن فإن القرآن الكريم أكد على مشروعية الاختلاف، وبالتالي لا ينقصنا سوى قبول الآخر، إيمانًا بأن الله هو خالق الجميع، فالمتتبع للآيات القرآنية التي تضمنت حوارًا أو دعوة إليه أو حديثًا عنه يلاحظ أن التصور القرآني لمسألة الحوار بين الأفراد والجماعات اعتمد مقولة شمولية الحوار مقولة أساسية.
فلقد دعا القرآن الكريم في أكثر من آية إلى الحوار الذاتي بما هو تفكر وتدبر، فالإنسان مطالب بالتفكير في نفسه وفي الكون المحيط به، ولقد عبر القرآن عن ذلك في أسلوب استفهامي استنكاري «أَفَلاَ تُبْصِرُونَ»، فكيف بنا يطالبنا القرآن بقبول الاختلاف والتعاطي معه، ونحن نصر على عدم الاختلاف؟.. أين العقول التي تقبل الآخر، وترى أن الاختلاف حقيقة كونية وليست بشرية؟.