الله عز وجل يخلق الخلق في كل لحظة، أي : في كل لحظة يخلقه خلقًا جديدًا ، خلقًا من بعد خلق في كل لحظة.. ولو أوقف الله إذنه للشيء بالظهور ؛ لفنيت الأشياء في اللحظة ذاتها ، فالله عز وجل يأذن لنا بالظهور .. فهو في كل لحظة يمد الموجود بالظهور.. ولولا إذن الله في كل لحظة لكل موجود بالظهور لفنى هذا الظهور ولم يبق أبدًا.. ولو أوقف هذا الإمداد وهذا الخلق ، لفنيت أنت في تلك اللحظة.. وبالتالي مما لاشك فيه أن خاصية التدرج وثيقة الصلة بالربوبية.
فهي سنة الله تعالى في الخلق والتكوين، مع قدرته المطلقة أن يفعل ما يشاء، ويخلق ما أراد بكلمة واحدة، قال تعالى: « إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (يس: 82)، ولكن الحكمة من ذلك أن الله تعالى يعلمنا التدرج في كل شيء، ليكون العمل قائمًا على أسس راسخة، ويكون البناء متينًا ومحكمًا.
لا عناء ولا خطط
الله عز وجل يتيح عملية الخلق دون أي عناء أو خطط مسبقة، وإنما هو فقط يقول للشيء كن فيكون، ففي قوله تعالى: « وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا » (الشمس: 5)، وقوله تعالى: « وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ » (الأنبياء: 32)، إشارة واضحة إلى أن السماء لم تخلق في لحظة واحدة وبدون أساس، لأنه ما من بناء إلا ويقوم على قواعد ثم تقام الأعمدة، ثم يبنى السقف.
وفي ذلك إشارة إلى خلق الأرض أولاً، ثم كان خلق السماء، وتفصيل ذلك في سورة فصلت، يقول الله عز وجل: « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » (فصلت: 9 - 12).
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةمن كل يخلق
فالله عز وجل يخلق من كل شيء، كل شيء، ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في إجابته ليهودي سأله عما إذا كان تخليق الإنسان من الرجل أم من المرأة؟ فقال له: «يا يهودي، من كل يخلق، من نطفة الرجل ونطفة المرأة»، ومن ثم فإن الإنسان في بطن أمه يمر بأطوار مختلفة.
قال تعالى: « يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ » (الزمر: 6)، وكما بين الله عز وجل في قوله تعالى: « مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا » (نوح: 13، 14).
ثم يفصل القرآن ما أجمله عن خلق الإنسان فيقول: « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ » (المؤمنون: 12 - 14)، إذن الله عز وجل قادر على أن يخلق من العدم كل شيء، وهو يواصل عملية هذه الخلق للحفاظ على استمرارية الكون.