انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو مصورة لأشخاص في أحسن حال وهيئة، وفجأة يباغتهم، الموت دون استئذان من أحد أو بلاغ لأحدن لتجد نفسك بين حيرة ودهشة الموت عاجزا أن تفسر سر هذا الضيف الذي يقطع علاقتك بهذه الدنيا دون تمهيد، ليعلن كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " الناس نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا".
ما معنى اليقظة؟
اليقظة: هي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغفلة، إنسان يكن في أحسن حال وهو يمارس الرياضى وفي كامل لياقته البدنية، وفجأة يسقط من برج قوته وصحته على الأرض، فاقدا وعيه للأبد بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة، ليجد نفسه في عالم أخر يستيقظ فيه على ما قدم في نومه ولم ينتبه إليه.
واليقظة مقابلها الغفلة، فالإنسان الذي يغفل حقيقته وجوده في هذه الدنيا بمثابة النائم، وأخطر مرض في الدنيا أن يكون الإنسان تائها عن الآخرة، وأخطر مرض يصيب الإنسان في الدنيا: أن يكون غافلاً عن الله، غافلاً عن نهاية الحياة، غافلاً عن الآخرة, قال تعالى:﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾[سورة الكهف الآية: 28].
فعوام الناس واقعون في غفلة، عن الموت، بعد الموت في برزخ، في غفلةٍ عن البرزخ، بعد البرزخ في يوم قيامة، في غفلة عن هذا اليوم، في صراط، في غفلة عن محاسبة الله لهم، فجأةً يكتشف الحقيقة المُرَّة بعد فوات الأوان، أما المؤمن يعرف الحقيقة المُرَّة قبل فوات الأوان.
فاليقظة حال, ومرتبة من مراتب مدارج السالكين, وانزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغفلة، فانزعاج القلب أحياناً سبب الصحوة، وسبب اليقظة، وسبب الهداية، وسبب السلامة.
فالله عزَّ وجل كان من الممكن أن يأتي بنا إلى الدنيا دفعةً واحدة، وأن نغادرها دفعةً واحدة، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً, وأن نغادرها تباعاً, ليتَّعظ بعضنا ببعض.
ماذا تفعل بعد اليقظة؟
أول شيءٍ على الإنسان الذي يستيقظ من غفلته قبل موته أن يستنير قلبه برؤية الإشارات الإلهية التي تكشف لك معالم الطريق.
لاتحرم نفسك من العلم النافع حتى لا تكون في غفلة.
﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾.
ومنَّ الدعاء النبوي لليقظة من الغفلة:
((اللهمَّ أنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك, ماضٍ فيَّ قضاؤك، نافذٌ فيَّ حكمك، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة, من أن تُحِلَّ عليَّ سخطك، أو تنزل بي غضبك)).
الإنسان عندما يستيقظ عنده ثلاث حالات؛ عنده التوبة، والاستغفار، وعمل الحسنات الماحية، والمصائب المُكفِّرة، أربعة أشياء يستغفر, ويتوب، وقد يعمل عملاً صالحاً مكفِّراً، وقد تأتيه مصيبة مكفِّرة، العمل الصالح يمحو والمصيبة مكفِّرة.
والاستغفار لا يكون صحيحاً إلا إذا رافقه مفارقة الذنب، وإلا استغفار كاذب، تستغفر وأنت مقيم على الذنب هذا مستحيل، من علامة صحَّة الاستغفار: أن تُقْلِع عن الذنب.
والإنسان يستغفر ويتوب، وتأتيه مصيبة أحياناً مكفِّرة، ويعمل عملاً صالحاً ماحياً، إذا الأشياء لم تكن صالحةً لقبول توبته في عذاب بالقبر، فقد كنت أقول كلمة، الحديث القدسي:((وعزَّتي وجلالي, لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحبُّ أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئةٍ كان عملها سُقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةًَ في ماله أو ولده, حتَّى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شدَّت عليه سكرات الموت حتَّى يلقاني كيوم ولدته أمُّه)).