الموت أعظم التفرق، والإنسان على فراش الموت يكون حاله من أصدق الأحوال، لقربه من الآخرة، ومعاينة أمور الحق.
1-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما احتضر أبو بكر قالت:
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى .. إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال: يا بنية، لا تقولي هكذا، ولكن قولي: " وجاءت سكرة الحق بالموت، ذلك ما كنت منه تحيد ".. ثم قال: انظروا إلى ثوبي هذين، فاغسلوهما وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.
2- وقيل لبعض الصالحين - وهو يجود بنفسه -: كيف تجدك؟ وكيف حالك؟
فقال: كيف حال من يريد سفرا بعيدا بلا زاد، ويدخل قبرا موحشا بلا مؤنس، وينطلق إلى رب ملك بلا حجة.
3- ولما احتضر عمر بن الخطاب بكي، فكلمه ابن عباس أو غيره بكلام فيه ثناء عليه، فقال: المغرور من غررتموه، ليت أمي لم تلدني.. ثم أوصى بوصايا حسان.
4- ولما احتضر معاوية، قيل له: قل: لا إله إلا الله، فضعف عنها حتى كررت عليه ثلاثا، كل ذلك لا يقدر يقولها، ثم قال في آخر ذلك: أولست من أهلها؟!.
5- وفي خبر آخر: أن معاوية لما احتضر، قال لابنه: يا بني، كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أخذت من شعره بمشقص، وهو عندي في موضع كذا، فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشعر واحشوا فمي ومنخري.
6- عن سعيد بن المسيب، قال: لما احتضر معاوية قال: أقعدوني. فأقعد. فجعل يذكر الله، وقال: يا رب! ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي، وعزتك إن لم تغفر لي فقد هلكت، ثم غشى عليه فبكى أهله، ثم أفاق، فأنشأ يقول متمثلا:
فاليتني لم أغن في الملك ساعة .. ولم أغن في لذات عيش نواضر
ثم مات رحمه الله.
7- ولما احتضر عمرو بن العاص قال: اللهم أمرتني فلم ائتمر، وزجرتني فلم أزدجر، ووضع يده في موضع الغل، فقال: اللهم لا قوى فأنتصر، ولا برئ فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت. فلم يزل يرددها حتى مات. رحمه الله.
8- كما روي أنه قيل له في مرضه الذي مات فيه: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب ولا أثوب.
فلما قربت نفسه من أن تفيض قال له ابنه: قد كنت تحب أن ترى عاقلا فطنا قد احتضر؛ فتسأله عما يجد المحتضر وقد احتضرت، وأنا أحب أن تصف لي الموت. فقال: أجد كأن السماء منطبقة على الأرض، وكأني أتنفس من خرم إبرة.