لم يصل الشيطان إلى أن يجري من بن آدم مجرى الدم إلا بعد أن تدرج في غوايته للإنسان، فتوعد بغوايته قائلا: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف، فلو أن الشيطان وسوس للإنسان بشكل مباشر أن يعبده، حتى ولو كان هذا المسلم عاصياً لله، لنفر هذا الإنسان، واشمأز من هذا الطلب؛ لأنه يوجد شيء من حرارة الإيمان في قلبه، ولكن الشيطان يسلك من الوسائل ما ينصب به فخاخه للإنسان كي يعبد بأعماله الشيطان.
فالشيطان سمح الله له عز وجل أن يمتلك أسلحة قوية وفتاكة؛ لحكمة يريدها الله، كما أن الشيطان لديه من الخبرة الطويلة تعد بآلاف السنين أو أكثر من ذلك، منذ أن عاش تجربته مع آدم عليه السلام، وإلى أن يموت وينتهي، والشيطان يكتسب تجارب يومية، فالشيطان ذكي، ولا يمكن أن يبادئ الإنسان، أو يطلب منه أمراً يعرف منذ البداية أن نفسه تنفر منه، فكيف يدخل الشيطان الإنسان إلى الكفر؟.
يمتلك الشيطان طريقين لغواية الإنسان وهما:
الشبهات
الطريق الأول: طريق إثارة الشبهات في قلبه، يشككه في الله، في الرسول صلى الله عليه وسلم، في القرآن، في الجنة، في النار، في البعث، فإذا استقرت هذه الشكوك في قلب الإنسان، وامتلأ بها ضميره، فإنه حينئذٍ يكون قد سلم قياده للشيطان، وانتهى منه الشيطان.
فما من إنسان إلا والشيطان يحاول أن يغريه، يحاول أن يثير عنده الشكوك والوساوس، وخاصة في فترة الشباب، وفترة التفكير، يبدأ الإنسان يضرب يمنةً ويسرةً، ويفكر، وقد يحاول الشيطان أن يلقي إليه بقدر ما يستطيع بعض الشبهات، فتجد هذا الإنسان ، حتى الذين فيهم خيرٌ وصلاحٌ واستقامة- تجده يعيش حياته في قلق، لا يهدأ له بال، ولا يستقر له ضمير، ولو فتشت لوجدت أن الشيطان قد ألقى في قلبه شبهة من الشبهات، أو وسوس له بشيءٍ ما نغص عليه حياته.
ثم يبدأ الشيطان ينغص على المؤمن عيشته، ويوسوس له: أنت الآن على حال من الكفر، أو شك في الدين، ومن الممكن أن الموت يداهمك اليوم أو غداً، فتموت كافراً، وهذا الشعور يقلق الإنسان كثيراً، يقلقه كثيراً أن يشعر أنه ما استقر الإيمان في قلبه، وأن الموت يهدده في كل لحظة، و يكون قصد الشيطان هنا، هو أنه ينغص على المؤمن عيشه، ولا تظنوا أن الشيطان لا يفكر في هذه الأمور، حتى الحزن، يحرص الشيطان أن الإنسان المسلم يكون حزيناً، وقد ذكر الله عز وجل هذا في كتابه، فقال: (( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ))[المجادلة:10] .
فالشيطان حريص على أن يكون الإنسان فقيراً: (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ))[البقرة:268]، فربما يكون قصد الشيطان هنا أن ينغص عليك حياتك، ويجعلك في حال من التوتر والهم والحزن شديدة، على الأقل ربما يكون من نتائجها أن هذا الإنسان قد يكون عنده رغبة في الخير، وحرص على الطاعات، فيضعف ويصبح إنساناً عادياً، يؤدي الفرائض، ولا يهتم بأمرٍ آخر.
ويجب هنا أن يقنع الإنسان نفسه بأن الحالة التي يعيشها ليست حالة شك، وإنما هي حالة وسوسة، دليل على صريح الإيمان في قلبه، وفي الصحيح أن الصحابة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ( يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به )، وفي بعض الروايات قالوا: ( إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يحترق حتى يصير حمماً، أحب إليه من أن يتكلم به )، نفس الشعور الذي عندك جاء إلى الصحابة، وأخبروا به النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا قال لهم؟ قال: ( أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة )، وفي ألفاظ أخرى صحيحة قال: ( ذاك صريح الإيمان ).
فينبغي للإنسان أن يكافح هذا الأمر، يكافحه بقراءته القرآن الكريم، بالذكر، بالعبادة، بصرف التفكير عن هذه الأمور، بقراءة الكتب التي تصرف هذه الهواجس والوساوس، وأهم من ذلك، لا أقول: أهم من العبادة، لكن أهم من قراءة الكتب، أن تتصل ببعض الشيوخ الذين تثق فيهم، وتعرض عليهم ما تجد؛ حتى لا تبقى وحدك في المعركة، بل تستعين بمن قد يكون خبر هذه الأمور، أو عاشها، أو جربها، أو عرف عنها أكثر مما تعرف.
الشهوة
الطريق الثاني: هو طريق الشهوة، قد يكون الإنسان أصلاً لا يفكر في الأمور هذه، عقله منصرف عن قضايا الشبهات، ومؤمن بها إيماناً مسلماً، لا يوجد مجال للتأثير عليه، فيأتيه الشيطان عن طريقٍ آخر، هذا الإنسان بشر، ركبت فيه الشهوة، فلا يزال الشيطان ينفخ في نار الشهوة، ويؤججها في قلب هذا الإنسان، حتى يوقعه في مزلق من المزالق، والنهاية في كلا الطريقين التي يحرص عليها الشيطان هي إيقاع الإنسان في الكفر.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟