ربما يقع الإنسان في الحب، والذي يتحول إلى عشق ومرض، يصرف قلبه إلى غير ما خلق له، وهو التعلق بخالقه.
تساؤل:
فإن قال قائل قد كبرت جنايتي على نفسي وكررت النظر ورسمت صورة المحبوب في قلبي وأورثت القلق الدائم ورأت نفسي أن شفاءها من هذا المرض بتكرار النظر والزيارة للمحبوب فلما فعلت زاد الأمر بي وما أقدر أن أصبر عن الحبيب لحظة فهل لهذا من علاج أتلافى فيه أمري قبل التلف؟
اظهار أخبار متعلقة
الجواب:
كيف آمرك بهجر من لا تصبر عنه لحظة وكيف لا آمرك وأنت على شفا هلكة قد لعبت ببدنك ودينك.
ومع هذا فلا بد لي من نصيحتك ما دام الكلام يصل إلى سمعك، فإن كان التردد إلى محبوبك يتردد في قلبك فلا تأتين إلى واعظ، فلست بمنتفع بالعظات.
إنما يوصف الدواء لمن يقبل فأما المخلط فإن الدواء يضيع عنده فإن صح عزمك على استعماله فاسمع أصف لك.
جواب بالعلاج من المرض:
اعلم أن الخيال الذي وقع لك من أن التزاور والنظر يشفي بعض المرض خيال فاسد. فإن قلت: فأراني أسكن في تلك الحالة؟
فالجواب: أنه إنما يسكن الوجد لمكان القرب فإذا وقع البعد زادت نار الشوق اشتعالا فأنت في ضرب المثل كالعطشان شرب الخمر فإنه يجد رطوبة الري عند تجرعها ثم تلهبه فتزيد العطش.
فكذلك قرب العاشق من معشوقه يضم جرحا إلى جرح ، وكلما زادت الأسباب الظاهرة قويت المحبة في الآلات الباطنة فعملت سمومها في المقاتل والمقتول لا يرى القاتل.
فإذا عرفت غرور الشيطان في زعمه أن القرب دواء وأن النظر شفاء بما أوضحت لك من أن قوله محال وأنه أمر تزيد به الحال مع ارتكاب المحظور الذي لا طاقة بعذابه ولا قوة على عقابه علمت حينئذ أنه لا علاج إلا بالهجر وحسم الطبع من غير تردد.
وقد قال الأصمعي قال: قلت لأعرابي صف الحب فقال هو نبت بذره النظر وماؤه الزيارة ونماؤه الوصل وقلته الهجر وحصاده التجني.
وسئل احد الحكماء عن العشق فقال: لم يلحق الإنسان من التعذيب عند لقاء من يحبه أشد من وقت الفراق.