تعلق القلب بالله وارتباطه في الباطن بالانشغال به في حسن التوكل والخوف والرجاء من الله، كل ذلك علامات على حسن الخاتمة، وعدم البعد عن الله وطريق الاستقامة.
كتب الرقائق ذكرت الكثير من القصص والوقائع المؤلمة، التي تكشف عن طبيعة ابتعاد القلب عن الله.
1-قال سفيان الثوري رضي الله عنه: رأيت رجلاً متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: اللهم سلّم.
 فقلت له: ما شأنك؟ ومم تطلب السلامة؟ فقال لي: يا أخي، كنا أربعة أخوة تنصر أحدنا عِنْداً، وتهوَّد الآخر، وتمجس الثالث، وبقيت أنا خائفاً من الله تعالى، وراغباً في السلامة. 2- وحكى أحد العبّاد أنه اصطاد سمكتين، فنادته أحدهما: أتأخذني وأنا أطوع منك إلى الله تعالى، فجاوبتها الأخرى: لا تمني عليه بطاعتك، فما عبده أحد إلا بما سبق له في القدر.
3- وقال ذو النون المصري رحمه الله: مررت بدير فوجدت فيه رجلاً يعبد الشمس من دون الله تعالى، فقلت له: يا شيخ لمن تعبد؟ فقال: الشمس، فقلت له: دع، واعبد الله الذي خلقك وخلق السموات والأرض، والشمس والنجوم، والليل والنهار، والشجر والجبال، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، فقال: انقطع حبلي وفني عمري، ولا حصل لي تقوى الله، ولا انصلح لي شأن، فو الله إنني خائف من فضيحتي منه، إذا نصب الميزان.
ثم قال لذي النون المصري: يا ذا النون، القلب مغلق، والمفتاح معدوم، والشقاء قد قيد القدمين، والقضاء قد أعمى العينين، وكيف لي بالصلح والباب في وجهي مردود وأنا منه مهزوم ومعبود.
 فقال ذو النون: يا إلهي، هذا عبدك قد عزم على الصلح، والخير كله بيدك، فناداه المجوسي: يا ذا النون، قد جاء المفتاح من عند الفتاح، فبكى ذو النون بكاء شديداً.
 فقيل له: تبكي؟ فقال: إني خائف حين فتح عليه الباب أن يغلق في وجهي. فنودي: ياذا للنون، لا تظن بنا إلا خيراً.
4- وسمع سفيان الثوري رحمه الله أعرابياً يقول في الطواف: إلهي من أولى بالتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً، ومن أولى بالكرم منك وقد سميت نفسك رؤوفا، ولك المنة علي وقد عصيتك بعلمك، ولك الحجة علي فبانقطاع حجتي ووجوب حجتك وفقري إليك وغناك عني إلا ما غفرت لي.
5- وقال يحيى بن سعيد رضي الله عنه: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا إلهي أدعوك وأنت لا تستجيب لي، فقال لي: إني أحب أن أسمع صوتك.
6- وقال العابد أبو يزيد البسطامي رحمه الله: حججت سنة من السنين إلى بيت الله الحرام، فجعلت أدعو وأتملق تملقاً، وإذا بهاتف يقول: يا أبا يزيد، لو دعوتنا بهذا الدعاء ألف سنة، وحججت ألف حجة ما قبلنا ولا ذرة واحدة.
فقلت: لماذا؟ قال: لأنك ترى عملك ولا ترى من استعملك، قلت: يا رب، إذا لم تقبل مني عبادتي ، وعزتك لأتقطعن الوصال بيني وبينك، فقيل له: يا أبا يزيد إن كان بيدك فاقطعه، نحن أوصلناك نسيتنا، فقلت: وعزتك لا أبرح من حرمك حتى أعلم رضاك عني، فقل لي: قل يا أبا يزيد، ما تريد؟ وعزتي وجلالي لو يعلم العالم ما أعلمه من باطنك لرجوك، فقلت: وعزتك وجلالك، لو يعلم العالم ما أعلمه من كرمك ما عبدوك. وإذا بهاتف يقول: يا أبا يزيد، لا نقول ولا تقول، أنت عندنا مقبول.

اقرأ أيضا:

هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟