العبد السالك الي الله ينتظره ثواب كبير وفضائل عظيمه من ربه باعتبار هذه النهج طريقه لأن يقربه ربّه يصطفيه ، ويأخذ بقلبه إليه ويتولاّه في جميع أموره، في دينه ومعاشه، في المقابل فهناك خسائر لا متناهية تنتظر من ذاق شيئًا من ذلك وعرف طريقةً موصِلة إلى الله ثمّ تركها، فحياته عَجز وغمّ وحزن، وموته كدَر وحَسرة، ومعادُه أسفٌ وندامة، ذلك بأنّه عرف طريقَه إلى ربّه ثمّ تركها، ناكبًا عنها، مكِبًّا على وجهه
الثواب الذي ينتظر العبد السالك إلي الله كان موضوع الخطبة التي تطرق إليها الشيخ الدكتور أسامة عبدالله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، خلال خطبة الجمعة بمكة المكرمة حيث قال إن الطريقَ إلى الله تعالى في الحقيقة واحدٌ لا تعدّدَ فيه، وهو صراطه المستقيم الذي نصبَه موصِلاً لمن سلكه إليه وإلى رضوانِه وجنّاته.
ودلل خياط ، بما قال سبحانه: «وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، منوهًا بأن الله سبحانه وتعالى وحّد سبيلَه لأنّه في نفسه واحدٌ لا تعدّدَ فيه، وجمع السّبل المخالفةَ له لأنّها كثيرة متعدِّدة.
وأشار إمام وخطيب المسجد الجرام إلي أن الطّريق إلى الله واحد؛ لأنّه سبحانه الحقّ المبين، والحقّ واحد مرجعُه إلى واحد، وأمّا الضّلال فلا ينحصِر؛ ومِن هنا يُعلَم أن الشرائع مع تنوعها واختلافها ترجع كلها إلى دينٍ واحد، مع وحدَة المعبودِ ووحدةِ دينِه، مشيرًا إلى أن من النّاس من يكون العلم والتّعليمُ سيِّد عملِه وطريقه إلى الله، قد وفّر عليه زمانَه مبتغيًا به وجهَ الله.
ومضي للقولا : فلا يزال كذلك عاكفًا على طريق العلم والتعليم عامِلاً بما علِم حتى يصِل من تلك الطريق إلى الله، أو يموت في طريق طلبِه، فيرجَى له الوصول إلى مطلبِه بعد مماته كما قال سبحانه: «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ ».
ومضي للقول إن مِن النّاس من يكون الذّكر وتلاوةُ القرآن سيّدَ عمله، الغالبَ على أوقاتِه، قد جعله زادَه لمعادِه ورأسَ ماله لمآله، فمتى فتر عنه أو قصّر رأى أنّه قد غُبِن وخسِر، ومنهم من يكون سيّد عمله الصلاة، فمتى قصّر في وردٍ منها أو مضى عليه وقتٌ وهو غير مشغولٍ بها أو مستعدّ لها أظلم عليه قلبه وضاق صدره.
وأشار إلى أن من النّاس من يكون طريقه الإحسانَ والنفع المتعدّي، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثةِ اللّهفان وأنواع الصّدقات، قد فتِح له في هذا وسلك منه طريقَه إلى ربّه، ومن النّاس من يكون طريقه الصومَ، فهو متى أفطر تغيّر قلبه وساءت حاله، ومنهم من يكون طريقه الذي نفَذ منه الحجَّ والاعتمار.
الشيخ خياط أضاف في خطبته إلى أن منهم الجامعُ لتلك المنافِذ، السالِك إلى الله في كلِّ واد، الكادِح إليه من كلِّ طريق، فهو قد جعل وظائفَ عبوديّته قبلةَ قلبِه ونصب عينه، يؤمّها أين كانت، ويسير معها حيث سارَت، قد ضرَب مع كلّ فريقٍ بسهم، فأين كانت العبوديّة وجدتَه، إن كان علم وجدتَه مع أهله، أو صلاة وجدتَه في القانتين، أو ذكرٌ وجدتَه في الذّاكرين، أو إحسان وجدتَه في زمرةِ المحسنين، أو محبّة ومراقبة وإنابةٌ إلى الله وجدتَه في زمرة المحبّين المنيبين، يدين بدين العبوديّة أنَّى استقلّت ركائبُها، ويتوجّه إليها حيثُ استقرّت مضارِبها.
وذكر بأن العبد السالكُ إلى ربّه، النافذ إليه حقيقةً نفوذًا يتّصل به قلبُه، ويتعلّق به تعلّقَ المحبِّ التّامّ المحبّةِ بمحبوبه، فيسلوَ به عن جميع المطالبِ سواه، فلا يبقى في قلبِه إلاّ محبّة الله ومحبّةُ أمره، فكان عاقبةَ ذلك أن قرّبه ربّه واصطفاه، وأخذ بقلبه إليه وتولاّه في جميع أموره، في دينه ومعاشه، ومَن ذاق شيئًا من ذلك وعرف طريقةً موصِلة إلى الله ثمّ تركها، فحياته عَجز وغمّ وحزن، وموته كدَر وحَسرة، ومعادُه أسفٌ وندامة، ذلك بأنّه عرف طريقَه إلى ربّه ثمّ تركها، ناكبًا عنها، مكِبًّا على وجهه.
وواصل: فلو نال بعض حظوظه وتلذّذ براحاته فهو مقيّدُ القلبِ عن انطلاقه في فسيح التّوحيد، وميادين الأنس، ورياض المحبّة، وموائد القرب ، ومن أعرض عن الله بالكلّيّة أعرض الله عنه بالكلّيّة، ومن أعرض الله عنه لزِمه الشقاء والبؤسُ في أعماله وأحوالِه.
وفي المقابل فإن المحروم من عرف الطريقَ إليه ثمّ أعرض عنها، أو وجد بارقةً من حبّه ثمّ سلِبها، ولم ينفذ إلى ربّه منها، موضحًا أن الله إذا أقبل على عبدِه السالكِ إليه استنارت حياته، وأشرقت ظلمَاته، وظهر عليه آثارُ إقباله من بهجةِ الجلال ونضرة الجمال، وتوجّه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبّة والموالاة؛ لأنهم تبعٌ لمولاهم سبحانه، فإذا أحبّ عبدَه أحبّوه، الله قلوبَ أوليائه تفِد إليه بالودّ والمحبّة والرّحمة، وناهيك بمن يتوجّه إليه مالكُ الملك ذو الجلال والإكرام بمحبّته، ويقبل عليه بأنواع كرامتِه، ويلحَظ إليه الملأ الأعلى وأهلُ الأرض بالتّبجيل والتّكريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.