المؤمن في الدنيا كالغريب المجتاز ببلدة غير مستوطن فيها، فهو يشتاق إلى بلده وهمه الرجوع إليه والتزود بما يوصله في طريقه إلى وطنه، ولا ينافس أهل ذلك البلد المستوطنين فيه في عزهم، ولا يجزع مما أصابه عندهم من الذل.
حقيقة غائبة:
في الحقيقة أن المؤمن في الدنيا غريب لأن أباه لما كان في دار البقاء ثم خرج منها فهمه الرجوع إلى مسكنه الأول، فهو أبدا يحن إلى وطنه الذي أخرج منه كما يقال: " حب الوطن من الإيمان ".
والمؤمنون في هذا القسم أقسام، منهم:
1-من قلبه معلق بالجنة.
2- ومنهم من قلبه معلق عند خالقه وهم العارفون، ولهذا قيل :" العارفون أبدانهم في الدنيا وقلوبهم عند المولى".
وصايا وعبر:
1-قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن.
2- وقال الفضيل بن عياض: المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه الاعتناء بجهازه.
3- ومن وصايا المسيح عليه السلام أنه قال لأصحابه: اعبروها ولا تعمروها.
4- وعنه عليه السلام أنه قال: من الذي يبني على موج البحر دارا.. تلك الدنيا فلا تتخذوها قرارا.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟معنى وأشكال الغربة:
الغربة غربتان: ظاهرة وباطنة.
1-الظاهرة: غربة أهل الصلاح بين الفساق، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق، وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق، وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سلبوا الخشية والإشفاق، وغربة الزاهدين بين الراغبين فيما ينفد وليس بباق.
2- أما الغربة الباطنة: فغربة الهمة، وهي غربة العارفين بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه.
وقد كان أبو سليمان الداراني يقول في صفتهم: همتهم غير همة الناس وإرادتهم الآخرة غير إرادة الناس، ودعاؤهم غير دعاء الناس.
وسئل عن أفضل الأعمال فبكى وقال: أن يطلع على قلبك فلا يراك تريد من الدنيا والآخرة غيره.