المسلم مأمور بإصلاح نفسه والأخذ في ترقيتها من شهوتها وتعلقها بالدنيا للتعلق بالآخرة قال تعالى: "والآخرة خير وأبقى"، وقال: "وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى"..
كيف يكون الإصلاح؟
وصلاح المسلم نفسه يعتمد على شقين أساسيين الأول إصلاح باطنه، والثاني إصلاح ظاهره وكلا الشقين لا يمكن الاستغناء عنهما حتى يقع الإصلاح بشكله الصحيح فلا يطغى إصلاح الظاهر على الباطن ولا العكس، فالإسلام كما أنه حريص على صلاح ظاهر المسلم وخلقه وعمله، وبيان أن المسلم الصحيح [من سلم المسلمون من لسانه ويده]، فكذلك هو حريص على أن يكون القلب صافيا من أمراض القلوب لا سيما الحقد والغل والحسد، وأن يكون صافيا لكل المؤمنين.
وسائل إصلاح الظاهر:
والعلماء حينما نظروا في وسائل إصلاح الظاهر وجدوا أنه يقوم على جانبين: حسن الخلق: وهو يشمل كل خلق حسن، وأثر محمود، في تعامله مع كل من حوله من الناس أو حتى من الحيوان، صلاح العمل: وهو السعي في الأرض بالصلاح والإصلاح، وأداء الحق الظاهر لله ولعباده، والأمر بالمعروف وتكثيره، والنهي عن المنكر وتقليله.. فيدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة، والأعمال الصالحة، والتصرفات المشروعة، والأفعال المحمودة.
وسائل إصلاح الباطن:
أما إصلاح الباطن فيكون بصفاء القلب ونقائه، ونظافته وطهارته من كل ما يعيب في النية أو الاعتقاد، أو فيما يبطنه الإنسان من سريرة، أو يكون في قلبه من مرض أو حسد أو ضغن، وفي هذا يقول الشيخ محمد المداوي: "ونَقَاءَ السَّرِيرَةِ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى أَدَاءِ العِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ فِي الخَفَاءِ، بَلْ بِمَا يَحْمِلُهُ القَلْبُ مِنْ صَفَاءٍ، فَالقَلْبُ إِذَا صَفَا مِنَ الأَحْـقَادِ، وَخَلا مِنَ البَغْيِ وَالغِلِّ وَالحَسَدِ نَجَا صَاحِبُهُ فَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ؛ (وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَـلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ القَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قِيلَ: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ؛ فَمَا مَخْمُومُ القَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لا إِثْمَ فِيهِ وَلا بَغْيَ وَلا غِلَّ وَلا حَسَدَ) رواه ابن ماجه.
كيف يمكن أن ينقي المسلم قلبه؟
إن تنقية المسلم قلبه هو العامل الأساس وعليه يقع العبء الأكبر فهذا هو الجهاد الكبر الذي تكلم عنه رسول الله، ولهذا فالانشغال به وتحصيل وسائله من أولى الأمور التي ينبغي للمؤمن أن ينشغل بها ومن الوسائل لتنقية القلب وإصلاحه ملازمة الدعاء، فالدعاء مفتاح كل خير ومغلاق كل شر وهذا الباب من أوسع الأبواب، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}(غافر:60)، كما صح عنه أنه كان يدعو ويقول: [وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا]، [وأسألك قلبا خاشعا]، ويستعيذ به من قلب لا يخشع، ومن الوسائل أيضا الإخلاص واستشعار مراقبة الله لنا في جميع أحوالنا وفي الحديث: (إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلاَ إلَى أَمْوَالِكُمْ، ولكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ)(رواه مسلم)، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل ما بين السماء والأرض."(الوابل الصيب)، ويقول أيضا: "فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها"، أيضا على المؤمن إصلاح السر وهي وصية العلماء والمصلحين في كل زمان وقديما قيل: من أصلح سريرته أصلح علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه".