الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: "إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء" فالحياء دليل على الخير، وهو المخُبْر عن السلامة، والمجير من الذم.
نظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»فالحياء زينة المؤمنين، حيث يمنع النفس من التفريط في حق صاحب الحق.
ولما للحياء من مقام رفيع فقد قال سيدنا النبي ﷺ : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ » , فكأن هذه العبارة قد جاءت مع كل نبي, وليس فقط مع دين الإسلام, فليس الإسلام وحده هو الذي يدعو إلي الحياء, بل إن الحياء مطلوب منذ آدم وإلي خاتم النبيين محمد ﷺ .
ومن هنا وكما يؤكد الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في منشور له علي "فيس بوك " الحياء يساوي- كنتيجة لهذا الخلق الفطري الذي فطر الله الناس عليه- الانتظام والانضباط, السير في جماعة يعرف أحدنا واجبه وحقه, فيؤدي هذا ويطلب هذا, ويكون ذلك برفق ورحمة وتعاون, ويعمل الناس- كما خلقهم الله سبحانه وتعالى في مجتمع واحد.
ومضي جمعة للقول :إذا فقدنا الحياء, فلن يكون هناك انضباط ولا ضابط ولا رابط, وهذا هو الفرق الكبير بين الحرية والإنفلات, فالحرية حالة مطلوبة, ويجوز أن نسكن بها الحياء, فيكون هناك حرية مع الحياء, يكون هناك حرية مع العقيدة, وفي الانتقال والعمل والرأي .. إلخ.
ولا تعني الحرية بحسب جمعة أن أعتدي علي غيري, وليس معني الحرية أن أنفلت أو أن أخرج عما يسمي- عند جميع العقلاء وعند جميع النظم وإلي يومنا هذا- النظام العام والآداب, وتعد مخالفته جريمة, لأنه قد خرج عن حد الحياء, وعن حد الانضباط, ولأنه قد خرج عن مفهوم الحرية التي هي الوجه الثاني والآخر للمسئولية.
بل أن الحياء هو الذي يجعلنا نصف الحرية بالحرية المقبولة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى وأتاحها حتى في العقيدة {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} , ثم جعل العقاب يوم القيامة وليس في هذه الدنيا ، "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا" فالمسألة بيد الله سبحانه وتعالى في يوم آخر, يحذرنا منه وينبهنا أنه سوف يك ون هناك حساب حتى تستقيم سلوكياتنا في هذه الحياة الدنيا.
وكما جاء في الأثرجاء رجل إلي رسول الله يلوم أخاه في الحياء, وقال إنه يستحي, فقال ﷺ : " لا تلمه فإن الحياء خير كله" , ولذلك من العبارات الشائعة الخاطئة التي ننهي عنها "لا حياء في الدين" , عندما يريد أحد أن يسأل سؤالا في موضوع حساس أو أي شيء آخر, ويريد أن يجعل أخاه يسأل مثلا, فيقول له: يا أخي, لا حياء في الدين أو في العلم. وهذا خطأ, الصحيح أن نقول: لا حرج في الدين, بل الدين كله حياء، والحياء خلق أصيل فيه ، والحياء خير كله,
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟في نفس السياق كذلك كان النبي ﷺ يشبه لنا الإيمان علي أنه شجرة مورقة, فيقول: " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها" لا إله إلا الله"- وهي القضية الكبرى, قضية توحيد الإله الخالق- وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس. فإذا وجدت قشرة موز ونحيتها عن الطريق حتى لا تصيب الناس بالأذى فهذا من الإيمان. " والحياء شعبة من شعب الإيمان"والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا خصص الحياء من جميع الشعب بعد أن عرفنا أعلاها وأدناها, لأنه هو الضابط الرابط. في الحقيقة إذا ارتفع الحياء في مجالات كثيرة فإننا نكون علي خطر عظيم, والنبي ﷺ يقول: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".