احذر وفقك الله من شر النظر فكم قد أهلك من عابد وأفسد عزم زاهد.. وعليك أن تتعظ بذلك وتلمح معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " النظر سهم مسموم" لأن السهم يسري إلى القلب فيعمل في الباطن قبل أن يرى عمله في الظاهر فاحذر من النظر فإنه سبب الآفات إلا أن علاجه في بدايته قريب فإذا كرر تمكن الشر فصعب علاجه.
مثل وحكمة:
إذا رأيت فرسا قد مالت براكبها إلى درب ضيق فدخلت فيه ببعض بدنها ولضيق المكان لا يمكن أن تدور فيه فصيح به ارجع عاجلا قبل أن يتمكن دخولها.
فإن قبل وردّها خطوة إلى ورائها سهل الأمر وإن توانى حتى ولجت ثم قام يجذبها بذنبها طال تعبه وربما لم يتهيأ له.
وكذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجّل الحازم بغضها وحسم المادة من أولها سهل علاجه وإن كرر النظر نقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب متفرغ فنقشها فيه.
فكلما تواصلت النظرات كانت كالمياه تسقى بها الشجرة فلا تزال تنمي فيفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات ويلقي في التلف.
فائدة عظيمة:
والسبب في هذا الهلاك أن الناظر أول نظرة التذّ بها فكررها يطلب الالتذاذ بالنظر مستهينا بذلك فأعقبه ما استهان به التلف ولو أنه غض عند أول نظرة لسلم في باقي عمره.
اظهار أخبار متعلقة
شهادات وحقائق:
يقول أحد العارفين: قال لي بعض أهل هذا البلاء يوما : إني نظرت يوما إلى امرأة نظرة فهويتها وقوي شوقي بها.
فقالت لي النفس إنك في بلاء عظيم مما لا تتيقنه فإن أول نظرة لا تثبت الشخص فلو أعدت النظر فربما أوجب التثبت الراحة.. فما تقول في هذه الحادثة فقلت له هذا لا يصلح لأربعة أوجه :
1-أن هذا لا يحلّ ولا يصح شرعا.
2- أنك لو نظرت فالظاهر تقوية ما عندك فإن ما بهتك بأول نظرة فالظاهر حسنه فلا تحسن المخاطرة بتوكيد الأمر لك لأنك ربما رأيت ما هو فوق ظنك فزاد عذابك.
3- أن إبليس عند قصدك لهذه النظرة يقوم في ركائبه ليزين لك ما لا يحسن ثم لا تعان عليه لأنك إذا أعرضت عن امتثال أمر الشرع تخلت عنك المعونة.
4- أنك الآن في مقام معاملة للحق عز وجل على ترك محبوب وأنت تريد أن تتثبت حتى إذا لم يكن المنظور مرضيا تركته فإذن يكون تركه لأنه لا يلائم غرضك لا لله تعالى.. فأين معاملته بترك المحبوب لأجله وقد قال سبحانه " ويطعمون الطعام على حبه" وقال : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".. فإياك إياك.