البعض منا يقسو على نفسه، تراه يحملها فوق طاقتها، إذ بات جلد الذات سمة من سمات هؤلاء، فتراهم يضعون لأنفسهم حدودًا لما يحدها الله بذاته العليا لنا، وكأنه يحاسب نفسه على ما لا يطلبه منه الله عز وجل، الذي قرر الله لنا الحدود ليسد علينا باب التقدير العقلي فى العقوبات، وهي أمور توقف أمامها العلماء كثيرًا، واتفقوا على ضرورة منعها.
بل أن أحدهم اعتبر أن جلد الذات إنما هو تعد على الذات العلية؛ القائل لنا عن ذاته: «إن الحكم الا لله»، أما التهذيب والتربية للنفس الإنسانية؛ فموضوع لا بد أن يكون تحت إشراف العلماء، حتى لا نحبس أنفسنا عن أمور لم يمنعها عنا الله، ونحاسب أنفسنا على أمور لم يطلبها منا المولى جلا في علاه.
على سبيل المثال، عندما شدد بنو إسرائيل على أنفسهم شدد الله عليهم، قال تعالى: «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (آل عمران 93).
بينما كتب النصارى على أنفسهم أمورًا لم يكتبها الله عليهم، فكانت النتيجة أن تخلو عن أمور هي إنسانية بالفطرة، قال تعالى: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ» (الحديد 27).
لذا علينا فقط اتباع ما قرره الله عز وجل، لأن العالم والعليم بالنفس البشرية، لأنه خالقها ويعلم مستقرها ومستودعها، وهو الذي يضع لهذه النفس العلاج المناسب ، القائم على العلم والحكمة والرحمة لا القسوة، تأكيدًا لقوله تعالى: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ».
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟الله عز وجل وضع نظامًا كونيًا، على كل إنسان ألا يتخطاه، حتى لا يحبس نفسه في أجواء لا يقدر عليها، ثم تراه طوال الوقت يجلد ذاته ويعذبها، فلا يصل إلى شيء، وإنما مزيد من القهر الذاتي وفقط.
فالله عز وجل وضع نظامًا تعليميًا يقوم على أسلوب تربوي ينتج عنه تزكية أي تهذيب وتنقية وتطهير عن سيء الصفات، والمقصود منه الرحمة بهم لا العقاب، لأن من يزكيهم وصفه ربه فقال : «بالمؤمنين رؤوف رحيم»، فكيف يكون الله بنا رؤوف رحيم، ونحن نعذب أنفسنا لمجرد بعض الوسوسات غير الضرورية؟.
وفي الحديث النبوي الشريف، أنه بينما النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال صلى الله عليه وسلم: «مروه فليتكلم، وليَستظل وليقعد، وليتم صومه».