قد يمر عليك الوقت دون أي استفادة منه على الإطلاق، وقد تستفيد من خمس دقائق فقط، فتكون خيرًا لك من الدنيا وما فيها، فالدنيا أحقر عند الله من جناح بعوضة.
عن سهل بن سعد الساعدي، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»، ولهذا إذا صلى الإنسان ركعتي الفجر صار ذلك خيرًا من الدنيا وما فيها، كل الدنيا منذ أن خلقت إلى أن تفنى، هاتان الركعتان خير منها، ولو حسبنا الوقت الذي تستغرقه هاتين الركعتين، لوجدناهما ما يتخطيان الخمس دقائق.
خمس دقائق من بداية الوضوء إلى نهاية الصلاة، هي أفضل عند الله من الدنيا وما فيها.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «ركعتَا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها»، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «لهما أحب إليَّ من الدنيا جميعًا»، وعن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «لم يكن النبي صلى اللهُ عليه وسلم على شيء مِن النوافل أَشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر».
لماذا هما الأفضل؟
لكن لماذا هاتين الركعتين تحديدًا هما الأفضل عند الله؟، لأن المستيقظ في هذا التوقيت، إنما لا يمكن أن يكون بحاجة إلى نعيم الدنيا، بقدر احتياجه واشتياقه إلى نعيم الآخرة، فهو يصحو حيث الناس نيام، ويناجي ربه بينما لا أحد سواه يناجيه، ويختار الوقت الذين يتنزل فيه ربنا إلى السموات الدنيا وينادي عباده (هل من داعٍ فاستجيب له)، كأن الدنيا كلها فرغت إلى من حبيب يناجي حبيبه، قال تعالى يؤكد ذلك: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (السجدة 16).
وفي تفسير هذه الآية العظيمة وفضلها، روى سيدنا معاذ بن جبل أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال له : «ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل - قال : ثم تلا : - تتجافى جنوبهم عن المضاجع».
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟الكنز الحقيقي
كأن الوقت الذي يسبق الفجر بدقائق معدودة، وكأن هذه الدقائق البسيطة التي لا تتخطى الخمس دقائق، هي الأعظم بين كل أيام الدنيا، لأنه يجمع بين عبد مشتاق لرضا ربه، ورب يتنزل بذاته العليا إلى السموات الدنيا ليجيب من يسأله، إذن في هذه اللحظات الخير كل الخير، وعلى كل مسلم أن يستكثر منه بقدر ما يريد.
ولذلك أوحى الله تعالى إلى نبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم: « وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ » (الأعراف: 188)، فهلا انتبهنا واستعددنا بكل ما أوتينا من قوة للقاء الله عز وجل، بركعتين هما خير من الدنيا وما فيها.