من الآداب التي افتقدناها في حياتنا اليومية، آداب الضيافة والدخول على حرمات المسلمين، حيث أصبحت البيوت مرتعًا لبعض الضيوف الذين لا يجدون غضاضة في أن يتحركوا في البيت كيفما يشاؤون، دون النظر إلى ما يؤذي صاحب المنزل، الأمر الذي يصيب المضيف بحرج شديد من تصرفات ضيفه، فضلاً عن نشر بعض الأخلاق السلبية بين الضيف ومضيفه نتيجة لذلك.
كان السلف الصالح حينما يدعون إلى طعام في بيوت أصحابهم أو أقاربهم، كانوا يجلسون وكأن فوق رؤوسهم الطير، فكان من الأدب أنهم لا يحركون ساكنا ولا يسكنون متحركا، إلا بإذن صاحب البيت، أو حال اقتضت الضرورة، في أن يجدوا خطرا يحيق بالبيت وأهله.
إلا أن البعض في الوقت الحاضر تنازلوا عن هذه الأخلاق، فأصبحوا يعيثون في بيوت الناس فسادًا، فقد ترى الضيف يستغل غياب المضيف لتحضير الطعام، فيقوم بتشغيل التلفاز أو المسجل بصوت عال، أو بتشغيل المكيف، أو يدخل الحمام بدون إذن، دون أن يخشى من وجود أحد نساء البيت فيه، أو أن يفتش في محتويات البيت دون إذن.
فبدلاً من أن يأتي بالخير على مضيفه ويكون نزيل سعادة، يكن نزيل شؤوم وشر، فقد وضع النبي عليه الصلاة والسلام، أسسا وقواعد لدخول بيوت الناس، فقد رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي، قَالَ: فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ، فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ أُتِيَ بِشَـرَابٍ، فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ، فَقَالَ أَبِي: وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللهَ لَنَا، فَقَالَ: «اللهم بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ».
وسن النبي عليه الصلاة والسلام الدعاء لمن سقاه أو إذا أراد ذلك:
- اللهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أطْعَمَني وأَسْقِ مَنْ سْقَاني.
في هذا الحديث يعلمنا النَّبِيُّ أدبًا عظيمًا، وهو ما يقول الضيف لصاحب الطعام، فقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم على بُسرٍ أبي عبدالله بن بُسـرٍ رضي الله عنه، فقدَّم له طعامًا، فأكل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم منها ثم أُتي بتمر، وكان يأكله ويجعل النوى بين أصبعيه لقلَّته، ولم يضعه في إناء التمر؛ لئلا يختلط به، وكان يجمع صلى الله عليه وسلم في الأكل بين السبابة والوسطى، ثم أتي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بشراب فشربه، ثم أعطاه لمن عَنْ يمينه، فلما خرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أمسك بُسـرٌ بلجام دابة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا، فقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ».
ومن آداب الضيف:
ألا يلتمس أوقات الطعام للدخول على صاحب المنزل .
ألا يقترح الضيف طعاماً بعينه ، بل يأكل ما يقدم له ، و ما يتيسر من طعام.
لا يسأل صاحب الدار الا عن مكان القبلة ، و لا يكثر من السؤال عن بيته و أماكنه .
أن يجلس الضيف حيث يجلسه صاحب البيت ، فهو أعلم ببيته و عورات بيته .
ألا يثقل الضيف على المضيف ، بأن يمكث عنده طويلاً حتى يضر به، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” لا يحل لمسلم ، أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه ( أى يحرجه ) قالوا : يا رسول الله ! وكيف يؤثمه ؟ قال : ” يقيم عنده ولا شيء له يقربه به ” .
اقرأ أيضا:
الدعاء للمتوفى أثناء دفنهاتيكيت الطعام
وفي قصة أبي طلحة رضي الله عنه وأرضاه مع ضيف رسول الله المثل على ترك التكلف فوق الطاقة ، فانه لمَّا نزل بهما ضَيْفٌ: قال لامرأته: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ؛ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ – أَوْ عَجِبَ – مِنْ فَعَالِكُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .
ألا يرفع صاحب الطعام الاكل قبل انتهاء الضيف من طعامه ، و قضاء حاجته منه .
ألا يشبع صاحب الطعام قبل الضيف ، بل ان شبع يوهمه أنه يأكل و لا يقوم قبل الضيف ، حتي لا يستشعر الضيف بالحرج .
أن يتحدث صاحب الطعام مع الضيف أثناء الطعام بما يؤنسه ، ويذهب عنه الحياء ، فتسخو نفسه بتناول الطعام غير متحرج . وقد سُئل الأوزاعي : ما إكرام الضيف ؟ قال : طلاقة الوجه ، وطيب الكلام .
و من السنة في اكرام الضيف أن تشيعه الى الباب ، اكراماً له و قياماً بحقه.
من السنة اذا أكل الضيف عند صاحب الطعام أن يدعو له مكافأة له على إطعامه و اكرامه له ، و من الأدعية النبوية في هذا الباب :
اذا اكل الضيف عند صاحب الطعام يقول (اللهُمَّ بَارِكْ لَهُم فيما رَزَقتهْمْ، واغْفِر لهم وارحَمْهُم) .
اذا أفطر الضيف عند عند أهل بيت يقول ( أَفطَر عِنْدَكُم الصائِمونَ وأكل طعامَكُمُ الأبْرارُ،وصلت عليكُمُ الملائِكَةُ ) .
دعاء الضيف لمن سقاه فيقول (اللهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أطْعَمَني وأَسْقِ مَنْ سْقَاني).