أخبار

أستحيي أن يراني أحد، وأنا أدعو.. فهل هذا حرام؟

شرب الكحول يتسبب في 6 أنواع من السرطان

لا تفوتك.. 7 نصائج لتجديد نشاطك والتخلص من التعب

الرقية الشرعية للأطفال دون اللجوء لأحد من الناس

سخره لك من قبل أن تولد.. تعرف على بعض آيات الله في الكون (الشعراوي)

أعمال تفتح لك أبواب السماء وتسهل لك الطريق

من هم السلف الصالح.. وما علاقتهم بالمذاهب الأربعة؟

عقوبة المستهزئين والخوض في أعراض الصحابة

لكل عروس مهر.. ما المهر الذي دفعه أبونا آدم لأمنا حواء؟

سنة نبوية تجعل لك احتراما بين الناس.. فكيف تزين بها كلامك؟

ما حكم قول: (ربنا افتكره) عمن توفاه الله؟ (المفتي يحسم الجدل)

بقلم | عاصم إسماعيل | الجمعة 29 ديسمبر 2023 - 10:25 م

 ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "انتشر في الآونة الأخيرة قول المصريين: "ربنا افتكره" كنايةً عمن توفاه الله، والله تعالى يقول: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾، ويقول: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾. فما حكم الشرع في قول ذلك؟".


وأجاب الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية بأن "من أعراف الناس بعضُ عباراتهم التي لا يقصدون بها حقيقتها اللفظية، إنما يقصدون بها ما تعارفوا عليه فيما بينهم من معنًى دون حاجة إلى قرينة تدل عليه؛ فيُعتبَر في ذلك بأعرافهم لا بالأصل اللغوي لأقوالهم".

وأضاف: "وقد تعارف الناس في مصر على استخدام ألفاظٍ قد يُغَايِرُ مدلولُها العرفيُّ حقيقتَها اللغوية، حتى صارَ لا يتبادر إلى الذهن عند سماعها إلا ذلك المدلول العرفي، ومن ذلك استخدامهم لفظ "ربنا افتكره" للتعبير عن موت إنسان".

العرف القولي 


وأوضح الحكم الشرعي في التلفظ بهذه الجملة للتعبير عن وفاة إنسانٍ على النحو التالي:

أن العرف القوليّ مُعْتَبرٌ في الشريعة وأحكامها، حتى اتفق الفقهاء على أن أعراف الناس في أقوالهم هي مما يُخَصَّص به عمومياتُ النصّ، وأنها تُقَدَّم على الحقائق اللفظية عند التعارض بينها.

ونص الفقهاء على أن الضابط الذي يُعرَف به نَقْلُ اللفظ من معناه اللغوي إلى ما تعارف عليه الناسُ من معنًى هو: أن يتبادر المنقول إليه إلى الذهن دون حاجةٍ إلى قرينةٍ لذلك، وهذا متحققٌ في قول كثير من الناس في مصر، عند سؤالهم عن شخصٍ قد توفاه الله تعالى ولم يعلم السائل بوفاته: "ربنا افتكره"؛ حيث يتبادر إلى ذهن السامع على الفور دون حاجةٍ إلى قرينةٍ أو توضيحٍ أن المسئول عنه قد توفي وانتقل إلى رحمة الله تعالى؛ حتى أصبح التعبير بهذا اللفظ عندهم لا يدل في معناه أصلًا إلا على هذا المعنى؛ فلا يتبادر إلى ذهن أيٍّ من المصريين أبدًا أن المرادَ من هذه العبارة نسبةُ سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ- على ما يدل عليه ظاهرها اللغوي.

وأشار المفتي إلى أنَّ "مِن اعتبار الشرع الشريف للصبغة المجتمعية والعرف السائد في الألفاظ والأقوال وتقديمِهِ لها على الحقائق اللغوية في بعض الأوقات: نَهْيَهُ عن استخدام اللفظ في معناه الحقيقي الحسن، إذا تعورف استخدامُهُ في معنًى قبيح؛ رعاية لما يتبادر إلى ذهن السامع عند سماعه؛ يدل على ذلك: نَهْيُهُ سبحانه وتعالى عن قول المؤمنين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "راعنا"، وهو لفظٌ مشتقٌّ في أصله اللغوي من "المراعاة" وهي معنًى حسن، غير أنه شاع استخدامُهُ حينذاك بمعنى الاستهزاء والذم في المجتمع الذي كثر فيه المستهزؤون من يهود ذلك الوقت؛ فنهى اللهُ المؤمنين عنه، وأرشدهم إلى غيره مما لا يشاع استخدامه في مجتمعهم بمعنًى سيِّئ؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: 104].

وبين علام أنّ "الشرع الشريف كما أقرّ الناس على ما تعارفوا عليه من أقوال، رفع عنهم المؤاخذة في كل ما لم تتعمده قلوبهم مِن ألفاظ أو أفعال يَحتَمِلُ ظاهرُها غيرَ ما قَصَدُوا؛ فقال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 225].

ولفت أيضًا إلى أنه "تواردت النصوص من المذاهب الفقهية على أن العبرة في مثل ذلك بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وأنَّه إذا تردَّد كلام الناس بين الصحة وغيرها؛ فإنه يُحمَل على المعنى الصحيح منه، فإذا تَبَيَّن القصد والنية وَجَبَ صرف المعنى إليهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال الإمام مسلم: "يدخل في الغزو وغيره من الأعمال"، ومعروف أن الكلامَ عملُ اللسان".


أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية


وأوضح المفتي: "والظن في هذا الادعاء -من نسبة النسيان إلى الله تعالى قصدًا من قائل عبارة "ربنا افتكره"- بَيِّنٌ خطؤُهُ بظاهر النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية:

- فأما القرآن الكريم: فقد كثرت الآيات التي إن حُمِلَت على حقيقتها اللغوية، فُهِمَ منها نسبة النقص إلى الله تعالى، حيث جاء لفظ النسيان في كثير من الآيات مضافًا إلى الذات الإلهية، ومع حفظ المسلمين للقرآن الكريم جيلًا عن جيل، لم يتبادر إلى ذهن أيٍّ منهم أن المقصود منه حقيقةُ النسيان في اللغة والتي هي ضعفٌ في الْـمَلَكَةِ العقلية عند استحضار المعاني والأشياء بعد حفظها، بل المتبادر إلى الذهن فورًا هو تَرْكُ الله تعالى بإرادته رحمةَ العاصينَ بسبب سَبْقِ نسيانهم ما أمرهم به سبحانه من قبل؛ وذلك في مثل قول الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]، وقوله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 126]، وقوله عزَّ وجَلَّ: ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67].

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لقوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ أنه قال: "نَتْرُكُهُمْ مِنَ الرَّحْمَةَ، كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ يَوْمِهِمْ هَذَا" ذكره الإمام الطبري في "تفسيره" (12/ 476، مؤسسة الرسالة).

وأما السنة النبوية المطهرة: فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَمَالًا وَوَلَدًا، وَسَخَّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالحَرْثَ، وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؛ فَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ لَهُ: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي» أخرجه الترمذي في "سننه"، وأبو داود السجستاني في "البعث"، وابن خزيمة في "التوحيد"، وابن حبان في "الصحيح"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، قال الإمام الترمذي: [هذا حديث صحيح غريب. ومعنى قوله: «الْيَوْمَ أَنْسَاكَ»: يقول: اليوم أَتْرُكُكَ في العذاب؛ هكذا فسروه] اهـ.

وقال الإمام ابن عرفة في "تفسيره" (2/ 101، ط. دار الكتب العلمية): [النسيان: بمعنى الترك] اهـ.

أقوال المفسرين 


وأشار المفتي إلى أنَّ "تواردَ نصوص المفسرين على أن تفسير النسيان في حقه تعالى بمعنى "الترك"، يُصحِّح المراد من قول المصريين: "ربنا افتكره"؛ ليكون بمعنى: "رَحِمَهُ"؛ بدلالة قولهم: "افتكار ربنا رحمة"؛ وذلك بمفهوم المخالفة؛ فإذا كان نسيان الله تعالى هو الترك من رحمته، فإن افتكاره سبحانه بِتَوَفِّيهِ عبدَهُ هو عين رحمته، فكانت هذه المقولة من المصريين متضمنةً أيضًا -علاوة على الإخبار بوفاة شخصٍ ما- التعبيرَ عن رجائهم بلوغَ مُتَوَفَّاهُمْ واسِعَ رحمة الله تعالى بعد الموت، ومتضمنةً كذلك التعبير عن أن الوفاة في حد ذاتها، راحةٌ للمؤمن من عناء الدنيا وشقائها".

وخلص إلى أنه "بناءً على ذلك: فقد أقرَّ الشرعُ الشريفُ الناسَ على ما يستعملونه من ألفاظٍ يُعبِّرون بها عن معانٍ عُرفيةٍ، على غِرَارِ ما وضعت له هذه الألفاظ في اللغة العربية، بل يصلُ الأمرُ في مُعتَبَر الشريعة إلى أن الحقائق العرفية للألفاظ ناسخةٌ لحقائقها اللغوية عند التعارض بينها إذا تعارف قومٌ إطلاقَ لفظٍ لمعنًى بحيث لا يُتَبَادَرُ عند سماعه إلا ذاكَ المعنى دون حاجةٍ إلى قرينة تدل عليه".

وانتهى إلى الرد على السؤال بأن "ما انتشر على ألسنة المصريين من قولهم عند سؤالهم عن شخصٍ قد توفاه الله تعالى ولم يعلم السائل بوفاته: "ربنا افتكره"؛ بحيث يتبادر إلى ذهن السامع على الفور دون حاجةٍ إلى قرينةٍ أو توضيحٍ أن المسئول عنه قد توفي وانتقل إلى رحمة الله تعالى؛ لا حرج فيه شرعًا، ولا يجوز إساءة الظن بحمل معناه على ما يدل عليه ظاهرُهُ اللغوي مِن نِسبة سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ-، بل الواجب حملُهُ على المعنى العُرفي الحسن وهو الرحمة؛ وذلك بمفهوم المخالفة للنسيان؛ فإذا كان نسيان الله تعالى هو الترك من رحمته، فإن افتكاره سبحانه بِتَوَفِّيهِ عبدَهُ هو عين رحمته، وكانت هذه المقولة من المصريين متضمنةً أيضًا التعبيرَ عن رجائهم بلوغَ مُتَوَفَّاهُمْ واسِعَ رحمة الله بعد الموت، ومتضمنةً كذلك التعبيرَ عن أن الوفاة في حد ذاتها راحةٌ للمؤمن من عناء الدنيا وشقائها؛ وهذه كلها معانٍ جَلِيَّةٌ وَرَدَت بهـــا النصوص الشرعيَّة، فتأثَّرت بفحواها الشخصية المصرية التي اعتادت تحويل الأوامر الشرعية إلى قِيَمٍ حضارية، وممارسات سلوكية، فمارست العبادات قولًا وفعلًا، وعاشت الدين شرعًا وطبعـًا".
///

الكلمات المفتاحية

ما حكم قول ربنا افتكره عمن توفاه الله؟ شوقي علام عبارات العزاء ما يقال عند الوفاة؟

موضوعات ذات صلة

amrkhaled

amrkhaled ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "انتشر في الآونة الأخيرة قول المصريين: "ربنا افتكره" كنايةً عمن توفاه الله، والله تعالى يقول: ﴿لَا يَضِلُّ رَب