المتتبع لأخبار النساء في صدر الدعوة الإسلامية سيجد العجب العجاب من نساء حملن مشاعل الدعوة على أكتافهن، بين المشاركة في شفاء جرحى الغزوات، مثل الشفاء بنت عبد الله، وبين الصبر على استشهاد الأبناء دفاعًا عن الحق.

وبين الصبر على الإيذاء من المشركين حتى نول الشهادة، كـ سمية بنت خباط، التي قتلها أبو جهل أمام أعين زوجها وابنها عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحثهم على الصبر بمقولته الشهيرة: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة».. لكن وسط كل ذلك كله كانت هناك (رسول النساء)، وهي المرأة (المثقفة الواعية) الحريصة على تعلم كل تعاليم دينها ونقلها إلى بني جنسها من النساء، وهي أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية، ابنة عمة سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنهما.

مجاهدة صابرة

عُرفت السيدة أسماء بأنها كانت صحابية جليلة وأنصارية وراوية ثقة ومجاهدة صابرة، وقد أسلمت وبايعت الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان، وكانت أسماء رضوان الله عليها تعتز بهذا السبق إلى المبايعة فتقول: «أنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وروت عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث عديدة، كما شهدت السيدة أسماء -رضي الله عنها- فتح خيبر مع من خرجن من النسوة لمداواة الجرحى، ومناولة السهام وطبخ الطعام وخرجت مع جيش الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، لملاقاة الروم في معركة اليرموك وقتلت بعض جنود الروم بعمود خبائها.


وقد امتدت الحياة بالسيدة أسماء بنت يزيد حتى شهدت انتهاء الخلافة الراشدة وتكوين الدولة الأموية وتوفيت في خلافة معاوية في السنة الرابعة والخمسين للهجرة.. رحم الله أسماء ورضي عنها فقد صدق فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن حياؤهن من التفقه في أمور دينهن».

اقرأ أيضا:

شهيد أول فتنة في الإسلام.. كيف عصم دماء المسلمين بدمائه الطاهرة؟

خطيبة مفوهة

عرفت أيضًا السيدة أسماء بنت يزيد بأنها كانت خطيبة مفوهة، إذ يروى أنها ذهبت إلى رسول الله تشتكي إليه ضعف دور المرأة أمام ما يقدمه الرجل من جهاد وحج وحضور الجنائز، والأمور الأخرى التي قد لا تقوى النساء عليها، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال في حقها لأصحابه: «هل سمعتم مقالة امرأة قَط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟» فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال: «افهمي، أيتها المرأة، وأَعْلِمي مَن خلفك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّلِ المرأة لزوجها وطلَبها مرضاته واتباعَها موافقته يَعْدِل ذلك كلّه»، فأي فضل نالته هذه المرأة المقدامة القوية التي لم تخش أبدًا في الله لومة لائم.

 ليس هذا فحسب بل أنه نزلت فيها آية حكم عِدّة المطلقات، فقد أخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد قالت:طُلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فنزل قول الله تعالى: « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ » (البقرة: 228)، فكانت أسماء أول معتدة في الإسلام.